عندما يُقدم شخص ما على ارتكاب مخالفةٍ بحق شخص آخر، فإنَّه يتم اللجوء عادةً إلى الجهة المختصة للفصل في النزاع، وقد تأخذ تلك الجهة التعهد اللازم على الشخص بعدم تكرار المخالفة، من مبدأ: "خذ عليه تعهد وخلَّه يروح"! وبالتالي فقد يرى الشخص المشتكي أن ذلك يُعدُّ استخفافاً به وهدراً لحقه، الأمر الذي قد يوغل صدره ضد من آذاه، فتنشأ ربما حينها العداوة أو الرغبة في الانتقام! كما أن هناك جُملةً من السلبيات تنشأ عن اكتفاء الجهة المختصة بأخذ التعهد، وأهمها تعطيل النظام، فإمَّا أن تُستكمل إجراءات التحقيق في الشكوى إلى نهايتها، وإمَّا أن يتنازل صاحبها وتحفظ الشكوى، إضافةً إلى أنَّ ذلك قد يكون مُشجعاً للبعض لارتكاب المزيد من المخالفات؛ لأنَّهم لا يجدون إجراء حازما في هذه الحالة يردعهم عن ما ارتكبوه سابقاً. وتبرز أهمية إيجاد البدائل المناسبة لأخذ التعهد على المخالفين ضمن نصوص قانون العقوبات، مع ضرورة أن تكون تلك البدائل أكثر حزماً بشكل يتم من خلاله ردع المخالفين، كما أنه من المُهم أن يضع النظام شروط تطبيق هذا الاجراء، وكذلك تحديد السلطة التي لها حق توقيعه على المخالف، مع اتخاذ هذا الإجراء كظرف مُشدَّد للعقوبة في حال عودة المخالف لارتكاب المخالفات من جديد. شكوى ضدّي وقال "عبدالرحمن البدر": مازلت أتذكر ذلك اليوم الذي دخلت فيه إلى غرفة المرشد الطلابي، لأتفاجأ بوالد زميلي "صالح"، الذي جاء لتقديم شكوى ضدّي نتيجة تهديدي لابنه بالضرب، وبمساعدة مجموعة من أصدقائه في اليوم السابق، خلال لعبهم الكرة سوياً في ملعب الحارة، مضيفاً أن نبضات قلبه كادت تتوقف من الخوف، إلاَّ أنَّ ما بدد آثار ذلك الموقف العصيب طلب المرشد الطلابي منه كتابة "تعهد" بعدم التعرض لزميله بسوء، الأمر الذي سرعان ما فعلته والطمأنينة تملأ صدري، كون تلك التجربة قد خاضها من قبلي زملاء آخرون، وهو أمر اعتيادي، وأصبح الطلبة يحبذونه كنوع من العقاب، ذاكراً أن ذلك التعهد يبقى مجرد حبراً على ورق، مبيناً أن المشكلة هُنا تبدأ من المدرسة وتنتهي بالمجتمع الذي سيخرج إليه الطالب، حيث يؤدي مع مرور الوقت إلى عدم اكتراث الطالب بحجم المخالفة التي يرتكبها مادامت العقوبة في النهاية مجرد أخذ تعهد! مشيراً إلى أن هذا الأمر أصبح جزءاً من ثقافة المجتمع، حيث وُضعت أولى لبناته داخل أروقة المدرسة، مُطالباً باتّخاذ اجراءات أكثر حزماً بحق الطلبة المخالفين لأنظمة وقوانين المدرسة، ليستشعروا جسامة ما أقدموا عليه من تجاوزات. توضيح العقوبات وطالب "عبدالله السراء" الجهات المعنية بتوضيح كافة العقوبات التي نص عليها النظام بحق المخالفين، والجهات المُخوَّلة باتخاذ تلك العقوبات، ونشرها في وسائل الاعلام المختلفة، مُضيفاً أن وضوح نصوص العقوبات وحفظها لحقوق الجميع يُسهمان في احترام النظام، وعندما يتم تغييب تلك النصوص تنشأ الفوضى والارتجالية، ويختفي الرادع الذي يسبق ارتكاب الجريمة، مُبيناً أنَّه من الضروري إيجاد البدائل المناسبة لأخذ التعهد على المخالفين ضمن نصوص نظام العقوبات، مع ضرورة أن تكون تلك البدائل أكثر حزماً بشكل يتم من خلاله ردع المخالفين بالشكل الذي يضمن احترامهم للنظام وعدم ارتكاب المخالفات، لافتاً إلى أن القيام بمثل هذا الإجراء قد يخضع لأهواء البعض ممن يعملون بمراكز الشرطة، كما أنَّ الواسطة أحياناً قد تلعب دوراً في هضم حقوق البعض تحت ذريعة "خلَّه يكتب تعهُّد ويروح"، ذاكراً أن ذلك قد يفتح المجال للفوضى وإقدام البعض على أخذ حقوقهم بأيديهم لعدم اقتناعهم باتخاذ مثل هذا الاجراء. غير قانوني وذكر "بندر المحرج" -محام ومستشار قانوني- أن التشريع والقانون يأتيان بمعنى النصوص الواجب اتباعها والعمل بها، ولا يجوز الاتفاق على مخالفتها إلاَّ وفق ما تضمنه التشريع أو القانون، مُضيفاً أنَّه لا خلاف بينهما فيما يتعلق بالإلزامية، وبالتالي استخدم فقهاء القانون كلمة تشريع بمعنى القانون أو النظام، لافتاً أنَّ التشريع يصدر من ولي الأمر في الأصل بحكم أنَّه صاحب الولاية العامة، أو من الجهة المختصة التي يفوضها بذلك، في حين قد يأتي أحياناً باعتماد رأي واحد في مسألة خلافية لتوحيد الناس على أمر ما، كما يأتي أحياناً وفق باب السياسة الشرعية، مُوضحاً أنَّه أيَّاً كان التشريع البشري فإنَّه يجب أن لا يكون مخالفاً لنص شرعي قطعي الدلالة قطعي الثبوت. وعمَّا إذا كان أخذ التعهد على المخالفين للقانون يُعدُّ عملاً قانونياً، أكد أن التعهد هو التزام من شخص حقيقي أو اعتباري بفعل ما أو الامتناع عن فعل آخر، مشيراً إلى أنَّه كإجراء لا يُعد قانونياً إذا اتخذ مقابل شكوى تقدم بها أحدهم، مُضيفاً أنَّ الواجب هنا أن يتم التحقيق في الشكوى من قِبَل الجهة المختصة، وفي حال اكتمل التحقيق ورأت الجهة المختصة إحالة الشكوى -القضية- إلى القضاء فإنَّه يتم ذلك، مع مراعاة إحاطة صاحب الحق الخاص علماً بذلك ليتابع دعواه، أمَّا إذا انتهت جهة التحقيق إلى حفظ الشكوى فإنَّها تُفهم صاحب الحق الخاص بذلك، وله إقامة دعواه أمام المحكمة المختصة، ذاكراً أن التعهد ليس إجراء قانونيا يُعتد به، وإنَّما هو عُرف جرى بين الناس ويجب عدم إقراره والعمل به. فرق كبير ورأى "المحرج" أنَّ هناك جُملةً من السلبيات تنشأ عن اكتفاء الجهة المختصة بأخذ التعهد فقط على الشخص المخالف، وأهمها تعطيل القانون، فإمَّا أن تُستكمل إجراءات التحقيق في الشكوى إلى نهايتها، وإمَّا أن يتنازل صاحبها وتحفظ الشكوى -إذا كانت حينها من الشكاوى الممكن حفظها تحقيقاً-، إضافةً إلى أنَّ ذلك قد يكون مُشجعاً لبعض المخالفين لارتكاب المزيد من المخالفات؛ لأنَّهم لا يجدون إجراء حازما في هذه الحالة يردعهم عن العودة لارتكاب المخالفات، لافتاً إلى أن مخالفة القانون تحت أي مسمى لا تأتي بخير، مبيناً أن بعض القضاة قد يرى أخذ التعهد على المُدَّعى كافياً لردعه، وهنا يختلف تكييف هذا الإجراء، فهو يخرج عن كونه إجراء تحقيقيا إداريا تتخذه جهة التحقيق، إلى كونه أمرا من قاضي الموضوع وبناءً على حكم قضائي، مؤكداً أن الفرق بينهما كبير جداً، وهو هنا يدخل في باب صلاحية القاضي التعزيرية، مُشيراً إلى أن القاضي هُنا قد يرى أنَّ مشاعر الندم والاعتراف بالذنب التي يُبديها المُدَّعى عليه فيها ما يكفي عن الحكم عليه بعقوبة بدنية أو مالية، وإنَّما يُكتفى بعقوبة أدبية تتمثل في أخذ التعهد عليه. تدبير احترازي وأكد "ياسر العشماوي" -محام ومستشار قانوني- أنّ التشريع قانون مكتوب يصدر عن السلطة التشريعية صاحبة الصلاحية في ذلك، فيما يُعدُّ القانون بصفةٍ عامةٍ مجموعة القواعد المنظمة لسلوك وعلاقات أفراد المجتمع، مُضيفاً أنَّه قد يكون مصدره غير التشريع كالعُرف أو العادات والتقاليد أو غيرها، مُبيناً أن المعيار الوحيد لتمييز التشريع عن القانون هو مصدر القانون، وعمَّا إذا كان أخذ التعهد على المخالفين للقانون يُعدُّ عملاً قانونياً، أكَّد على أن ذلك يُعدُّ نوعاً من أنواع التدابير الاحترازية، والتي تنصُّ عليها قوانين العقوبات الوضعية، والتي تَحُولُ بدورها دون إقدام الشخص على ارتكاب جريمة ما، مُشيراً إلى أن منها ما هو سالب للحرية أو مُقيد لها، كالحجز في مأوى علاجي، وذلك في حال التعامل مع المدمنين، أو الإيداع في دُور الرعاية في حال التعامل مع المتشردين، ومنها ما هو سالب للحقوق كإسقاط الولاية والقوامة، ومنها ما هو مادي كأخذ التعهد بحُسن السلوك وعدم معاودة إتيان الفعل مرةً أخرى، موضحاً أن ذلك يأتي وُفق أحكام وظروف معينة. إصلاح الاجراءات وانتقد "العشماوي" تطبيق هذا الاجراء على المخالفين من قِبل مراكز الشرطة، التي ليس لها الحق في تطبيقه -حسب قوله-؛ كونها قد تجمع في ذلك بين سلطتها في الضبط القضائي والسلطة المُخوَّلة في توجيه الاتهام وهي الادعاء العام والسلطة القضائية، ولكون هذا الاجراء المُطبَّق من التدابير الاحترازية، الذي يُعَدُّ في كافة القوانين نوعاً من أنواع العقوبات التي يرجع تقديرها إلى القضاء وحده، مؤكداً أن وضع مثل هذا الإجراء في يد سلطة غير مُخوَّلة قد يؤدي إلى حصول حالات لبس عديدة، وذلك من حيث القدرة على تصنيف وتكييف الفعل المُرتكب، مبيناً أن الاكتفاء بأخذ التعهد على المُدَّعى عليه قد يكون رادعاً للبعض وغير رادعٍ للبعض الآخر، مشيراً إلى أن ذلك لا يمكن ضبطه حتى مع من حُكم عليهم بعقوبات أشدّ، حيث أنَّ بعضهم قد يقضي فترة العقوبة بالحبس لسنوات وبعد خروجه بفترة يعود إلى ارتكاب مخالفاتٍ أخرى، لافتاً إلى أن لكل جريمةٍ عقوبةً مُقدَّرة ومنصوصٌ عليها انطلاقاً من مبدأ "لاجريمة ولاعقوبة إلاَّ بنص"، وحيث تختلف الجرائم فإنها تختلف العقوبات. وشدّد على أهمية إصلاح الاجراءات الخاصة بأخذ التعهد، بأن يضع النظام وبصورةٍ واضحة شروط تطبيق هذا الاجراء وحالاته وأشخاصه ونوع المخالفة، وكذلك تحديد السلطة التي لها حق توقيعه على المخالف، أهي السلطة القضائية مثل سائر بلدان العالم باعتباره عقوبة، أم الادعاء العام باعتبارها سلطة اتهام يحقُّ لها تحريك الدعاوى وحفظها؟، مشيراً إلى أنَّه في كل الحالات يجب أن يُتَّخذ هذا الإجراء كظرف مُشدَّد للعقوبة في حال عودة المخالف لارتكاب المخالفات من جديد. أخذ التعهد على بعض المُخالفين لا يكفي عبدالرحمن البدر عبدالله السراء بندر المحرج ياسر العشماوي