«عشقتُ الفن التشكيلي منذ صغري، وتمنيتُ أن أصبح رساماً أو مثّالاً، لكنني صرت أديباً أعبّر بالقلم والأوراق؛ وليس بالفرشاة والألوان!». هذا ما قاله الأديب الكبير والناقد إدوار الخراط في اللقاء الذي نظمه مركز الحضارة العربية بالقاهرة وانعقد مؤخراً في «ساقية عبد المنعم الصاوي» بالزمالك لمناقشة أحدث مؤلفات الخراط، وهو كتاب «في نور آخر: رؤى ودراسات في الفن التشكيلي» الذي صدر في حوالي ثلاثمائة صفحة عن مركز الحضارة العربية. وإذا كان المبدع الكبير إدوار الخراط له باع طويل مع الكتابة القصصية والروائية، وأيضاً الكتابة الشعرية، والنقدية، والترجمات المتعددة، فإن له علاقة وطيدة بالفن التشكيلي، وقد كتب عشرات المقالات في النقد التشكيلي، وله مؤلف عن التشكيلي المصري المقيم في أمريكا أحمد مرسي، ونصوص عن لوحات التشكيلي عدلي رزق الله. وفي كتابه الجديد «في نور آخر» يتعامل الخراط مع أكثر من تيمة أو مدرسة أو نمط تشكيلي، منها الفن القبطي على سبيل المثال، باعتباره - على حد تعبيره - حلماً ظل يراود الإنسانية منذ الأبد، ويظل يراودها حتى الأبد، حلم التماسّ مع المطلق، مع ما وراء الواقع اليومي، وإن ظل حلماً يضرب بجذوره في الحياة بكل واقعيتها العميقة التي تنبع مما هو غير قابل للتفسير. ويرى الخراط أن الكتابة والتشكيل لا ينفصلان، فهو عندما يكتب يفعل مثلما يفعل الرسام، إذ ينطلق من يقين بأن المطلق إنما يتجسد في الإنسان، وأن الإنسان هو المطلق دون قسمة، وأن التوحد بين الإنساني والقدسي مكتمل. وفي حديثه، يشير إدوار الخراط إلى أن عشقه للفن التشكيلي يعود إلى أكثر من نصف قرن، ويقول: عندما استقلت من عملي في شركة التأمين الأهلية منذ خمسين عاماً منحت نفسي إجازة تفرغ، وكنتُ أقضي ساعات طويلة كل يوم في مرسم صديقي الشاعر والتشكيلي أحمد مرسي في أتيليه الإسكندرية القديم، ومن هنا توطدت علاقتي بالريشة والألوان، ولو لم أصر كاتباً لربما كنت اتجهت إلى التشكيل». أما الناقد التشكيلي الدكتور عز الدين نجيب، رئيس جمعية نقاد الفن التشكيلي، فإنه أكد في حديثه على أهمية كتاب الخراط «في نور آخر»، موضحاً أنه يأتي ضمن النسيج الراقي للإبداع الذي أنتجته قريحة الخراط، وأشار إلى أن الفن التشكيلي بحاجة إلى العديد من الدراسات والأطروحات والرؤى الجادة للنهوض به وتوصيل تجلياته المتميزة إلى المتلقين في سائر الأنحاء بأسلوب رفيع مثلما فعل الخراط. والكاتب إدوار الخراط هو أحد كبار الروائيين في مصر، له على مدار أكثر من خمسين عاماً من الإبداع عشرات الكتب القصصية والروائية والنقدية والتنظيرية والمترجمات (فضلاً عن دواوينه الشعرية)، ومن مؤلفاته الشهيرة: «حيطان عالية» (1957)، «رامة والتنين» (1979)، «محطة السكة الحديد» (1985)، «ترابها زعفران» (1986)، «حجارة بوبيللو» و«أبنية متطايرة« و»حريق الأخيلة» (1993)، وغيرها. ومن كتبه النقدية: «الكتابة عبر النوعية»، «الحساسية الجديدة: مقالات في الظاهرة القصصية»،..وغيرها. ومن مترجماته: «الغجرية والفارس - قصص رومانية»، «شهر العسل المر - قصص إيطالية»، «مشروع الحياة - دراسة لفرانسيس جانسون»، «تشريح جثة الاستعمار - لجي دي بوشير»، «الوجه الآخر لأمريكا - دراسة لميكائيل هارنجتون»، وقد فاز الخراط بالعديد من الجوائز المصرية والعربية الكبرى.