تُشكل "الدرعية" دوراً محورياً هاماً في تاريخ المملكة كونها مهدالدعوة الإصلاحية ومنطلق الدولة السعودية الأولى وعاصمتها ويبرز دورها السياسي والدعوي جلياً بما أرسته من دعائم للدولة وأسس للعقيدة منذ نشأتها، وتعود ذاكرة الوطن في اليوم الوطني إلى هذه المحافظة العريقة الواقعة شمال غرب العاصمة الرياض حيث يستعيد المواطنون قصصاً وأحداثاً تاريخية شهدتها الدرعية رسمت بطولاتها ملامح الدولة السعودية الحديثة. وأولت الدولة الدرعية التاريخية اهتماماً كبيراً في خططها وبرامجها التطويرية، منذ وقتٍ مبكر لإعادة إعمار الدرعية وفق رؤية طموحة تهدف إلى الاستفادة من المقوِّمات التي تتمتَّع بها والإرث الذي تتميَّز به بما يحقِّق الإضافة النوعية للنمو الاقتصادي والثقافي والاجتماعي للدولة. وجاء الاعتراف العالمي بالمكانة التاريخية والتراثية للدرعية التاريخية ترجمة لذلك الاهتمام حيث وافقت لجنة التراث العالمي على تسجيل حي الطريف بالدرعية التاريخية في قائمة التراث العالمي التابعة لليونسكو قبل عامين وكان تسجيل تسجيل المحافظة في التراث العالمي باليونسكو اعتراف دولي بمكانتها التاريخية الدرعية التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو يمثل أحد أهداف الخطة التنفيذية لتطوير الدرعية التاريخية التي وضعتها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بالتعاون مع الهيئة العامة للسياحة والآثار، لما لهذه الخطوة من أهمية في دعم مشاريع التطوير السياحي في الدرعية التاريخية، وزيادة قيمتها الأثرية والتراثية والمعنوية، وبعد صدور موافقة مجلس الوزراء الموقر على هذا الإجراء، بناء على صدور الأمر السامي الكريم بذلك، تولت الهيئة العامة للسياحة والآثار متابعة ملف التسجيل مع منظمة (اليونسكو)، وبعد تحقيق اشتراطات المنظمة في هذا المجال، تحقق هذا الهدف ليشكل اعترافاً عالمياً بالمكانة التاريخية للدرعية بشكل خاص وللآثار التي تزخر بها المملكة بشكل عام. حي البجيري.. جامعة نجد الأولى التي خرجت علماء الدعوة السلفية وكانت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض قد وضعت "إستراتيجية"شاملة لتطوير الدرعية التاريخية تضمنت تحويل المناطق الأثرية في الدرعية إلى مركز ثقافي وحضاري على المستوى الوطني، نظراً للدور الريادي والحضاري للدرعية كمنطلق للدعوة ونواة للدولة السعودية، إضافة إلى اتخاذ أحياء الدرعية التاريخية والقديمة نواة ومحورا للتطوير العمراني والثقافي، وتحقيق التنمية المستدامة بالمحافظة على المقومات البيئية الطبيعية، إلى جانب تشجيع الاستثمارات الخاصة للمشاركة في برنامج التطوير. مقر مؤسسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الثقافية بالدرعية وتسعى هيئة تطوير الرياض من هذه الخطوات إلى المحافظة على النسيج العمراني للمنطقة الأثرية والتراثية، وإعادة توظيفه بما يخدم الأنشطة المختلفة، وتوفير مقومات التنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في المنطقة، وتشجيع الحُرف والصناعات المحلية وتطوير تقنيات البناء التقليدي، وإيجاد متنفس ثقافي تراثي ترويحي، إضافة إلى تشجيع السياحة كمجال استثماري وعامل لتبادل المعرفة والثقافة. وتتنوع محاور تطوير الدرعية التاريخية لتشمل التخطيط الحضري للبلدة، بحيث يتواءم مع التخطيط الحضري لمدينة الرياض، والتطوير العمراني لأحيائها التاريخية والقديمة، باستكمال المرافق والبنى التحتية، وتطوير بنيتها العمرانية، وتوفير الساحات والميادين والحدائق العامة والطرق ومواقف السيارات وممرات المشاة. كما يتمثل المحور الاجتماعي في البرنامج في توفير عوامل استقرار سكانها، وتطوير اقتصادياتهم، فيما يتمثل التطوير التراثي الثقافي في إعادة ترميم منشآتها التراثية، وإنشاء المؤسسات الثقافية الوطنية، والمتاحف، وتنظيم الأنشطة الثقافية المستمرة، وتأهيل الدرعية لتكون أحد مواقع التراث العالمي المتجدد. وفي جانب التطوير الترويحي والسياحي، فيتمثل في توفير المرافق الترويحية المناسبة، والأنشطة السياحية المختلفة، والاستفادة من المقومات البيئة لوادي حنيفة لدعم هذه الأنشطة وفي الوقت الذي تتولى فيه الهيئة أعمال التخطيط والإنشاء والإدارة الحضرية، سيتولى القطاع الخاص والأهالي الاستثمار في بعض برامج التطوير وأنشطته، وفق المخطط الشامل لتطوير الدرعية التاريخية الذي وضعته الهيئة، بينما ستتولى الأجهزة الحكومية ذات العلاقة إدارة بعض المرافق والأنشطة الأخرى وتشغيلها. أحد مداخل الحي بعد إعادة تأهيله وقامت هيئة تطوير الرياض بالعديد من الدراسات المتعلِّقة بالجوانب العمرانية والتاريخية والسياحية والاستثمارية للدرعية وذلك عبر مجموعة واسعة من الاستشاريِّين العالميِّين والمحليِّين ذوي خبرات متنوِّعة في التصميم العمراني والتخطيط المتحفي فضلاً عن التنشيط السياحي، وخرجت هذه الخُطط والدراسات بوضع الخطة التنفيذية النهائية لتطوير الدرعية وخطة التنمية السياحية فيها، وتنقسم الخطة التنفيذية إلى مرحلتين، مرحلة أساسية ومرحلة تكميلية، وتحتوي المرحلة الأساسية (وهي المرحلة الحالية من البرنامج) على ثلاثة مشاريع تطويرية هي مشروع تطوير حي الطريف، ومشروع تطوير حي البجيري، ومشاريع الطرق وشبكات المرافق العامة، كما وضعت الهيئة خطة للإدارة والتشغيل، تتولى بموجبها الهيئة أعمال التخطيط والتنفيذ، والتشغيل والصيانة، فيما تتولى الهيئة العامة للسياحة والآثار، تشغيل وإدارة حي الطريف، واستقطاب الاستثمارات الاقتصادية والسياحية لكامل الدرعية التاريخية. وستوفِّر الاستفادة من النواحي التراثية والبيئية منافع عديدة تتمثَّل في تحقيق فرص استثمارية متزايدة تنعش النمو الاقتصادي وتساعد في تطوير إنسان المنطقة، وانطلق البرنامج الذي وضعته الهيئة، وتنفذه بالتعاون مع الهيئة العامة للسياحة والآثار، ومحافظة الدرعية، من مقومات الدرعية المتمثلة في قيمتها التاريخية والسياسية والثقافية، وتراثها العمراني، وموقعها الفريد على ضفاف وادي حنيفة، لذا اعتمد البرنامج، مبدأ التكامل مع مدينة الرياض، بحيث تكون الدرعية ضاحية ثقافية، سياحية، ترويحية بمستوى عالمي. تطوير حي طريف يهدف تطوير الحي إلى إبرازه كموقع تاريخي أثري متحفي تتكامل فيه جوانب العرض بين الشواهد المعمارية والبيئة الطبيعية للحي إلى جانب العروض التفاعلية والأنشطة الحية ضمن أُسس تُعنى بمفاهيم المحافظة والترميم، على اعتبار حي الطريف أهم معالم الدرعية التاريخية لاحتضانه المباني الأثرية والقصور والمعالم التاريخية لفترة الدولة السعودية الأولى وتشمل مشاريع تطوير الطريف. المنطقة المركزية بالدرعية بعد تطويرها متحف الدرعية بقصر سلوى ويهدف هذا المتحف إلى التعريف بتاريخ الدولة السعودية الأولى من خلال منظومة من المكونات المتحفية والأنشطة المناسبة التي سيحويها قصر سلوى (مقر الحكم آنذاك) ويوفر المتحف تجربتين للزوَّار، الأولى هي للعرض المتحفي المغلق داخل الوحدتين الخامسة والسادسة من قصر سلوى وذلك بعد ترميمهما وإضافة هيكل حديث بداخلهما لاستيعاب المعروضات المتنوعة والتي تشمل اللوحات والمجسمات والقطع المتحفية والأفلام الوثائقية والتجربة الثانية هي للعرض المفتوح بين الأطلال، حيث يمكن للزوَّار التجوُّل بين الأطلال المرممة لبقية وحدات القصر. متحف الحياة الاجتماعية ويختص هذا المتحف بعرض الحياة الاجتماعية خلال الدولة السعودية الأولى فيما يتعلق بالمهن وأنماط العيش والمناسبات وغيرها، وذلك من خلال قصر عمر بن سعود، حيث يتم عرض الحياة الاجتماعية في جانبها المتعلق بالدرعية كحيز جغرافي، والمباني الطينية المجاورة لقصر عمر بن سعود، وفيها يتم عرض الحياة الاجتماعية في باقي أجزاء الجزيرة العربية التي امتد لها نفوذ الدولة السعودية الأولى، ومعرض تقنيات البناء التقليدي، وذلك في المباني الطينية المجاورة لمعرض تقنيات البناء التقليدية وتزويدها ببعض التجهيزات الحديثة وجعلها متاحة للإيجار اليومي، لتوفير تجربة العيش التقليدي للزوار، وبيوت الإيجار اليومي، سيتم ترميمها وتهيئة عدد من البيوت الطينية المجاورة لمعرض تقنيات البناء التقليدي وتزويدها ببعض التجهيزات الحديثة وجعلها متاحة للإيجار اليومي، لتوفير تجربة العيش التقليدي للزوار. متحف الخيل العربية ويختص هذا المتحف بعرض الخيل العربية خلال الدولة السعودية الأولى، حيث سيتم التعريف بنشأتها وأصولها وخصائصها وتربيتها وما إلى ذلك ويحتوي هذا المتحف على قسمين، القسم الأوَّل يشمل متحف الآثار والمقتنيات والتعريف بالخيل العربية، وقد تمَّ اختيار المباني الطينية التي تقع شمال قصر ثنيان بن سعود لتكون مقرَّاً لهذا القسم حيث ستتم المحافظة على المحيط الخارجي للمباني وإنشاء مبنى حديث بالداخل، والقسم الثاني ويحتوي على عرض حي لمجموعة من الخيول لتسليط الضوء على أنواعها وسياستها، وذلك ضمن وقت محدَّد وتمَّ اختيار الاسطبلات التاريخية للإمام عبدالله بن سعود والتي تقع إلى الجنوب من قصره بعد ترميمها لتكون مقرَّاً لعروض الخيل العربية. متحف الحرب والدفاع ويختص هذا المتحف بعرض وسائل الحرب والدفاع خلال الدولة السعودية الأولى حيث سيتم عرض المقتنيات والآثار الخاصة بالحرب إضافة إلى أنواع المعارك التي خاضتها الدولة السعودية الأولى وتكتيكات الحرب في المباني الطينية، كما سيتم تخصيص قصر ثنيان بن سعود بعد ترميمه وتدعيمه لعرض قصة الدفاع التي خاضتها الدولة لكون القصر أحد أهم الحصون التي لعبت دوراً فعَّالاً في الدفاع عن الدرعية كما يشمل هذا المتحف مقر فرقة العرضة، وذلك في المباني الطينية التي تقع شرق قصر ثنيان بن سعود وتشارك هذه الفرقة بعروضها في الساحة التي تقع شمال قصر ثنيان بن سعود ويوفِّر هذا المقر مكاناً لتدريباتهم ومنطلقاً لعروضهم. متحف التجارة والمال ويختص هذا المتحف بعرض النظام الاقتصادي وطرق التجارة وأنواع الموازين والعملات إلى جانب عرض أنواع (الوقف) وكرم الضيافة خلال الدولة السعودية الأولى كما سيتم تخصيص بيت المال بعد ترميمه وتأهيله وسبالة موضي بعد إعادة بنائها على نفس نمطها القديم ليكونا مقرَّاً لهذا المتحف. السوق التراثي سيتم ترميم وتهيئة مجموعة من المباني الطينية التي تطل على أحد الشوارع الرئيسة بالحي والتي تمتد من بيت المال إلى قصر عمر بن سعود لتحتوي على سوق يعرض المنتجات الحرفية التراثية وستخصَّص مجموعة من المباني الطينية ضمن السوق التراثي لتكوِّن مجمعاً للمطاعم للزوَّار ضمن بيئة تقليدية مميَّزة. جامع الأمام محمد بن سعود ويمثِّل جامع الإمام محمد بن سعود معلماً بارزاً من معالم حي الطريف، ولعب دوراً كبيراً في عهد الدولة السعودية الأولى على مختلف الفترات، ومن هذا المنطلق سيتم التعامل مع هذا الجامع بصورة تعكس أهميته وتاريخه، حيث سيتم ترميم الجزء المتبقِّي من الجامع وتأهيله ليكون مهيئاً للصلاة فيه بينما سيتم عرض آثار الجامع بنوعيها الجزء الظاهر منها والجزء الذي تمَّ اكتشافه بواسطة الحفر الأثري والذي يعكس فترات البناء المختلفة للمسجد. وإلى جانب المباني التي سيتم تهيئتها واستخدامها في وظائف أخرى كالمتحفية أو الإدارية أو الخدمية، توجد مبانٍ أخرى سيتم ترميمها أو تدعيمها وتنقسم إلى مبانٍ يتم ترميمها بالكامل، وذلك للحفاظ عليها وجعلها متاحة للزوَّار. تطوير حي البجيري ويتمتع حي البجيري بأهمية علمية حيث يعد الجامعة الأولى في نجد التي خرجت الأجيال من علماء الدعوة السلفية، ويقع الحي على الضفة الشرقية من وادي حنيفة وبه مسجد الشيخ محمد بن عبدالوهاب وهو أهم معلم في الحي، ويضم البجيري إلى جانب هذا الجامع عدداً من المساجد والكتاتيب التي أسهمت في الثراء العلمي وانتشار العلم في الدرعية وفي نجد والجزيرة العربية بشكل عام ولهذه الأهمية التاريخية للحي فإنه ستنفذ به عدد من المشاريع التطويرية أبرزها: مؤسسة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الثقافية وهي هيئة علمية معنية بتقديم تراث الشيخ العلمي والفكري، والعناية بمدرسته الفكرية، والاهتمام بالدراسات العقدية والدعوية المتخصصة، وخدمة الباحثين في مجالها، وتحمل المؤسسة أبعاداً ثقافية عالمية في التواصل الفكري، والاهتمام بالدعوة، وجاءت فكرة إنشاء المؤسسة بمبادرة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز عرفاناً بدور الشيخ محمد بن عبدالوهاب في تاريخ الدولة السعودية. وتشتمل المنطقة المركزية على جملة من المشاريع التي تهدف إلى توظيف موقع حي البجيري المتميز، وتغطية الجوانب الخدمية المتعددة لزوار الدرعية التاريخية. مسجد الظويهرة ويهدف المشروع إلى تأهيل المسجد وفق المنهج العلمي في ترميم المنشآت الأثرية وتهيئته لإعادة استخدامه من قِبل الجمهور. كما تشهد مواقع أخرى في المحافظة العديد من أعمال التطوير والتأهيل لتصبح مركزاً حضارياً وثقافياً يليق بتاريخها وماشهدته من إنجازات وطنية مشهودة.