نحن بحاجة إلى تعزيز عمل المجتمع المدني وتفعيل مؤسساته لا التدخل في هذه المؤسسات وفرض وصاية عليها مؤخرا كنت أرقب ما يدور داخل أروقة هيئة المهندسين وشعرت بالانزعاج من إصرار بعض الزملاء على إقحام من ليس لهم علاقة بالهيئة بقضاياها نكاية بزملائهم ورغبة منهم في تدمير هذا الكيان المهم الذي يخوض تجربة الانتخاب لثالث مرة ويقدم مثالاً مهما لإمكانية التوافق بين فئات المجتمع المهني في بلد كبير ومتنوع مثل المملكة العربية السعودية. إنزعاجي من بعض الزملاء لأنهم بدأوا بمحاربة مجلس الادارة الجديد، منذ اليوم الأول، ولم يعطوه فرصة للعمل حتى نستطيع الحكم عليه، كان بعضهم عضو مجلس إدارة سابق ولم يقدم شيئاً، ولم يكن له أثر يذكر، ولا أعلم أين كان ولماذا لم يحرك ساكنا قبل ذلك، ومع ذلك يظل هذا الانزعاج في حدود الزمالة وفي حدود المصالح المشتركة التي تجمع كل المهندسين وتوحدهم تحت مظلة هذه الهيئة المهمة بالنسبة لنا جميعا. اقول: إن كل هذه الخلافات الداخلية في بيت المهندسين لم تشغلني كثيراً على مستقبل الهيئة فالخلاف ظاهرة صحية، وإذا اختلفنا اليوم سوف نتفق في الغد، لكن ما أزعجني حقا هو دخول وزارة التجارة على الخط ومحاولة بعض المهندسين جر الوزارة فيما لايعنيها، فإذا كان نظام هيئة المهندسين في مادته الأولى ينص على أن وزارة التجارة تشرف على هيئة المهندسين إلا أن هذه الإشراف "شكلي" فهيئة المهندسين مستقلة إدارياً ومالياً ولها شخصيتها الاعتبارية ولا يحق لأي كان أن يتدخل في شؤونها حتى وزارة التجارة نفسها طالما أن هيئة المهندسين لم تخالف ما ينص عليه نظامها الأساسي ولوائحها الداخلية. أنا هنا أتحدث عن التدخل غير المباشر، فما بالكم إذا كانت وزارة التجارة تتدخل في قرارات مجلس إدارة الهيئة وتفرض عليه وبخطابات رسمية موقعة من الوزير شخصياً تقول لهم ما يجب على المجلس وما لايجب عليه فعله. ربما غاب عن وزارة التجارة أن أعضاء مجلس إدارة هيئة المهندسين منتخبين ويعملون كمتطوعين وليسوا موظفين في الوزارة وأن هيئة المهندسين هي مؤسسة مجتمع مدني مهنية وأن هذا التدخل من الوزارة يحرج المملكة عالمياً، فكيف بربكم نقوم بتأسيس هيئات مهنية تنتخب أعضاء مجلس إداراتها بالكامل ونظامها مقر بأمر من مقام مجلس الوزراء ثم تقوم أحد مؤسسات الدولة بالتدخل في شؤونها وتصدر قررات "متعجلة"، وهذا أقل ما يمكن أن أصف به تدخل الوزارة في هيئة المهندسين، وتهمش مجلس إدارتها المنتخب. كيف بربكم نستطيع أن نبرر موقفنا وكيف سيأخذ العالم توجهاتنا الإصلاحية مأخذ الجد ونحن ننشئ مؤسسات مجتمع مدني منتخبة شكليا بينما هي تدار فعلياً من مؤسسات حكومية. في حقيقة الأمر يصعب تصور أن تقوم أي وزارة، لأي سبب كان، بالتدخل في هيئة مستقلة لها جمعيتها العامة ولها نظامها الداخلي الذي يمنحها الصلاحيات الكافية للعمل ويخول أعضاءها إصلاحها إذا حدث فيها خلل، وإلا ما الفائدة من تأسيس الهيئات ووضع نظم لها. أعتقد أن وزارة التجارة لم تنسَ بعد أنها كانت في يوم مسؤولة عن "لجنة المهندسين" وأن تلك "الأبوية" تخولها التدخل دون مبرر في شؤون الهيئة، وهذا يعني أن الوزارة لم تقتنع بعد أن هيئة المهندسين تجاوزت مرحلة "الفطام"، وترى أنها مسؤولة عنها دون أن يطلب منها أحد هذه المسؤولية. نحن بحاجة إلى تعزيز عمل المجتمع المدني وتفعيل مؤسساته لا التدخل في هذه المؤسسات وفرض وصاية عليها، وكان الأجدر بوزارة التجارة أن تعي قيمة هذه التجربة المهمة التي تمر بها المملكة العربية السعودية على المستوى المجتمعي والتنموي وأن تساهم في دعم هذه التجربة وتعطيها الفرصة أن تخوض بنفسها مسار "التجربة والخطأ" وأن تصحح من أخطائها ذاتيا، فهكذا تتطور التجارب المدنية وهكذا تنمو الأمم، أما سياسة "الوصاية" و"التهديد" وفرض منطق قوة "المؤسسة الحكومية" على مثل هذه الهيئات وتخويف أعضائها المنتخبين وتهديديهم بعدم التعامل مع الهيئة في حال رفض توجيهات الوزارة، فهذا يضر بتجربتنا المدنية الوليدة ويعيدنا للخلف ابعد مما كنا. نحن لا نقبل ولن نقبل هذا التراجع ويجب أن لا نسمح لأحد أن يجهض هذا التجربة حتى لو كان عن حسن النية، لأني على يقين أن وزارة التجارة لم تطلع على الكثير من التفاصيل، وهذا لا يبرر تدخلها على أي حال. أنا هنا لا أريد أن أخوض في التفاصيل وقد كنت أنوي التعبير عن موقفي من تدخل الوزارة منذ اليوم الأول لكني آثرت أن أتريث قليلاً فقد يكون في الأمر سوء تفاهم، لكن إصرار وزارة التجارة على التدخل المستمر وإصدارها لقرارات تضرب بعرض الحائط قرارات مجلس إدارة هيئة المهندسين وتهدد الهيئة وعملها في تنظيم المهنة وتسيير أعمالها، فهذا أمر لا يمكن السكوت عليه. وأنا هنا أحمل وزارة التجارة المسؤولية كاملة عن فشل هيئة المهندسين وعن تراجع دورها خلال الاعوام القادمة لأن تدخلها هذا يضر بها وبدورها ويشجع على الفوضى الداخلية ويقلل من قدرة مجلس إدارة الهيئة على الضبط المهني، وأقولها بصراحة أنه يجب على المهندسين ان يقفوا بحزم أمام هذا التدخل السافر وغير المبرر والذي لا يخدم المصلحة الوطنية ابدا. كان الأجدر بوزارة التجارة أن تجمع القلوب المتفرقة وتوحد الصفوف المتخلخلة وأن لا تنحاز إلى أحد، هذا إذا أرادت التدخل، رغم أننا نقول لها "كثر الله خيرك"، ولتدع الهيئة وشأنها والمهندسون قادرون على إصلاح هيئتهم ولا نحتاج لمساعدتها فنحن نقدر مشاغل الوزارة ومشاكلها التي لا تنتهي. وأنا هنا أدعو من يقف على قمة هرم الوزارة دعوة أخوية أن يلتفت إلى القضايا الكبيرة التي تواجه وزارة التجارة وأن يعمل بجد واجتهاد لحماية المستهلك وأن يركز جهوده لفتح ابواب جديدة للاقتصاد الوطني، وأحب أن أؤكد لمعالي وزير التجارة أنه يوجد في هيئة المهندسين عقلاء ومهنيين ومثقفين يدركون مسؤوليتهم الوطنية ويحملون على عاتقهم هذه المسؤولية ولن يفرطوا فيها ابداً، وهم قادرون بإذن الله على بناء بيتهم الداخلي ولن يقبلوا أن ينهار هذا البيت.