مرت المملكة خلال السنوات السبع الماضية بمحطات ومنعطفات دقيقة وهامة جداً أثبتت بلا جدال استقرار الحكم السعودي وثباته وفق أصول إسلامية وتقاليد عريقة شهد على تميزها الكثير، حيث قدمت (البيعات ال4)؛ التي شهدتها المملكة بعد وفاة الملك فهد -رحمه الله- وفي مراحل مختلفة وهي (مبايعة الملك عبدالله ملكاً للمملكة، ومبايعة الأميرسلطان -رحمه الله- ولياً للعهد، ثم مبايعة الأمير نايف -رحمه الله- ولياً للعهد، ثم مبايعة الأمير سلمان -حفظه الله- ولياً للعهد) نموذجاً فريداً في سلاسة انتقال السلطة ومسؤوليات الحكم والقيادة بين قادة ومسؤولي هذه البلاد من الأسرة المالكة بكل هدوء واستقرار. الاختبار الأول شهد الشعب السعودي والعالم أجمع في 26 من شهر جمادى الآخرة من العام 1426ه الذي فقد فيه الوطن والأمة قائد عظيم وسياسي محنك "الملك فهد" -رحمه الله-، كيف استطاعت المملكة العبور بهدوء واستقرار إلى مرحلة ثانية في الحكم بعد مبايعة الملك عبدالله -حفظه الله- ملكاً للمملكة، حيث بايع أفراد الأسرة المالكة الملك عبدالله "ملكاً" وبعد إتمام مراسم البيعة أعلن -حفظه الله- عن اختيار الأمير سلطان -رحمه الله- ولياً للعهد، حيث كان آنذاك نائباً ثانياً، وذلك حسب المادة (5) من النظام الأساسي للحكم، وقد بايع أفراد الأسرة المالكة سموه على ذلك؛ لتنتقل الدولة من تلك المرحلة إلى مرحلة جديدة بكل سلاسة وهدوء، مؤكدة متانة العلاقة بين أفراد الأسرة المالكة ببعض وبينهم وبين الشعب الذي هب من كافة أنحاء المملكة ليبايع مليكه وولي عهده. انتقال سلس وفي فجر يوم السبت الموافق 24/11/1432ه كانت المملكة على موعد مع يوم آخر حزين ومع مرحلة أخرى هامة، حيث أُعلن عن وفاة الأمير سلطان "ولي العهد" -رحمه الله-، الذي كان ركناً أساساً من أركان الدولة، إلاّ أن الوطن بقادته وشعبه وبتكاتفه استطاع أيضاً تجاوز تلك المرحلة الصعبه رغم عظم المصاب، وماهي إلاّ أيام قليلة لم تتجاوز خمسة أيام حتى أُعلن عن تعيين الأمير نايف -رحمه الله- خلفاً للأمير سلطان في ولاية العهد، وكان ذلك في 29/11/1432ه وتمت البيعة للأمير نايف ولياً للعهد، وأجمع كافة أفراد الشعب ومسؤولية على أن سموه كان الرجل المناسب في المكان المناسب وأنه الرجل الكفوء القادر على سد الفراغ الكبير الذي خلفه رحيل رجل بحجم ومكانه الأميرسلطان، وشهد قصر الحكم في الرياض وإمارات المناطق كافة توافد أعداد غفيرة من الشعب لمبايعة الأمير نايف ولياً للعهد. ثقة واستقرار وجاءت المرحلة الرابعة والبيعة الرابعة كذلك على نفس ما سارت عليه سابقاتها من هدوء وسلاسة وثقة واستقرار كبير، وذلك بعد الإعلان عن رحيل الأمير نايف "ولي العهد الثاني" في عهد الملك عبدالله يوم السبت الموافق 26/7/1433ه، وبعد يومين فقط حسم خادم الحرمين مسألة من يخلف الأمير نايف في ولاية العهد باختياره الأمير سلمان ولياً للعهد، وذلك بعد الاطلاع على النظام الأساسي للحكم وبعد الاطلاع على نظام مجلس الوزراء، ونظام هيئة البيعة، وأجمع أفراد الأسرة الحاكمة والشعب على قدرة وحكمة وخبرة الأميرسلمان على تولي هذا المنصب الهام؛ ليكون عضداً وساعداً أيمن للمليك في قيادة الوطن والسير به على بر الأمان والاستقرار في مرحلة حرجة تمر بها دول المنطقة وكثير من دول العالم، وجاء تعيين الأميرسلمان "ولي العهد الثالث" في 28/7/1433ه، وسارت بيعة سموه على نفس ما سارت عليه البيعات السابقة، حيث بارك الجميع هذا الاختيار وكان قصرالحكم وإمارات المناطق شاهداً على ذلك، حيث شهدت جموعاً غفيرة من المبايعين لسموه من كافة مناطق المملكة والمؤيدين لهذا الاختيار الموفق. عقد البيعة وتميزت المملكة عبر تاريخها في تقديم وتطبيق نموذج "البيعة" في أبهى صوره، وهي البيعة -التي تمثل"عقد" بين طرفين هما الحاكم والرعية، ويتضمن التزام الحاكم إقامة الدين وتطبيقه وسياسة الدولة وعقد بالتزام الرعية بالسمع والطاعة، ولكل من الطرفين واجبات وحقوق كفلتها الشريعة الإسلامية. وجنت المملكة ثمار هذه البيعة على الفرد والمجتمع، حيث تحقق لزوم جماعة المسلمين في التزام البيعة وعدم مفارقة الجماعة والمحافظة على المصالح العامة والخاصة، إلى جانب أن عقد البيعة فيه صلاح الناس والبلاد ووقاية المسلمين بأنفسهم من الفتن، كذلك دخول المسلمين في ساحة الأمان والنجاة من الوعد الشديد في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" (رواه مسلم). والبيعة ميثاق وعهد مسؤول، وهي واجبة على الرعية كلها، من باشرها بوضع اليد فقد أعلن وباشر، ومن لم يمكنه ذلك فبايع باللسان أينما كان، ومن لم يمكنه ذلك فيعقد النية في قلبه على ما بايع عليه جماعة المسلمين، ليدخل تحت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزم جماعتهم، فإن الدعوة تحيط من ورائهم" (أخرجه الترمذي). وأول تطبيق لنظام البيعة في العصر الحديث كان على يد الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب عندما اتفقا على تأسيس الدولة السعودية الأولى التي تطبق الشريعة الإسلامية، وفي الدولة السعودية الثانية نماذج أخرى حية لاستقرار الحكم السعودي وثباته فتمت بيعة الإمام فيصل بن تركي سنة 1250ه /1834م بعد استشهاد والده الإمام تركي بن عبدالله في الرياض، وفي اليوم الذي توفي فيه الملك عبدالعزيز -رحمه الله- سنة 1373ه /1953م بويع ولي عهده الأمير سعود ملكاً على المملكة، ثم في عام 1384ه /1964م بويع الأمير فيصل ملكاً للمملكة، ثم تتابعت البيعة من أفراد الشعب، وفي عام 1395ه/1975م استشهد الملك فيصل -رحمه الله- وبويع ولي عهده الأمير خالد ملكاً على البلاد، والأمير فهد ولياً للعهد، ثم بويع الأمير فهد ملكاً بعد وفاة أخيه الملك خالد يوم الأحد 21 شعبان 1402ه/1982م، والأمير عبدالله ولياً للعهد، وبعد انتقال الملك فهد إلى رحمة الله في السادس والعشرين من جمادى الآخرة 1426ه، بويع ولي العهد الأمير عبدالله -حفظه الله- ملكاً للمملكة. ومن هنا يتضح العمق التاريخي الأصيل لمسيرة البيعة وسلاستها في العهد السعودي، وأنموذج مثالي للتعاليم الإسلامية والتي تظهر بجلاء سمات قائمة على أسس عظيمة وقواعد مرعية وأعراف خالدة؛ استطاعت العبور بالوطن في مراحل دقيقة إلى مزيد من الاستقرار والنماء والثبات.