أدخلت أحد الأصدقاء إلى مكتبتي فانبهر بحجمها، وأنا اعلم أنه انبهر بها؛ لأنه لم يدخل بعض المكتبات الشخصية التي تعد كبيرة بحق، فأنا أعرف من جعل الدور الأول من منزله لكتبه، كما أني أعرف من جعل لمكتبته بناية خاصة داخل سور منزله. فالمكتبات الشخصية قد انتشرت في العصر الحديث في البيوت وتفاوتت في احجامها في منازل طلاب العلم غالبا. وهي ظاهرة صحية تدل على التعافي الثقافي والمعرفي حتى ولو كان هذا بنية التباهي والتفاخر والديكور والإدعاء بالثقافة والمعرفة، كل هذه الأهداف قد تكون صحيحة، ولكن تبقى النتيجة الأسمى هي المعرفة، التي قد يتلقاها طالب علم قد يكون هو مشروع عالم، توفر له كتاب في مكتبة شخصية اثر فيه وحوله الى عالم. إن التباهي بالكتب حتى ولو كانت للزينة هو أسمى من التباهي بسرعة سيارة أو بلون فستان أو بعمارة منزل، فمتى ما تباهى المجتمع بالكتب والمكتبات الشخصية التي في حوزته فاعلم أن هذا المجتمع سيصبح له شأن معرفي. فالتباهي بالعلم والمعرفة هو المسلك الدال على التعافي ومتى ما وجدت أي مجتمع يفشل فيه سوق الكتاب ومعارض العلوم فاعلم أن هذا المجتمع يعاني من أزمة كبيرة مع ذاته ومع معرفته فمظاهر العلم والمعرفة يجب أن تكون ظاهرة للعيان غير متوارية متباهية بكينونتها للدلالة على صحة المجتمع وتعافيه. لكم يسعدني الحوار الذي يتم حول كتاب أو قصيدة أو رواية أو لوحة تشكيلية أو عرض مسرحي، ولكم يدل ذلك على الطبيعية والتلقائية والمسلك السوي في المجتمع، وكم من فكرة مبدعة قد تخرج من هذا الحوار، وكم من مدع للثقافة قد يتحول إلى عاشق للمعرفة وممارس لها، فالبدايات قد تكون اهدافها غير سوية إلا أن التحول إلى الأهداف السوية والفعالة أمر وارد، فكم من طالب علم طلب العلم أولا لغير وجه الله ثم تحول بصدق نيته الى عالم، وقد ادركنا من كان كذلك، فالمهم هو الجد في طلب العلم، والتحول يأتي مع صدق النوايا.