جامعاتنا تاريخها حافل بإنجازات تُسطر حروفها بخالص التبر عقودا منذ تأسيس اول جامعة او نواة كلية من كلياتها العريقة التي اذكت كوامن المعرفة لأبناء شعب يؤمن بالعلم والعلماء وأهمية عضو هيئة التدريس في حمله رسالة آلت إليه من أولي العزم فحملها يقينا بأهميتها وقدرته علي الوفاء بالتزاماتها والجامعات كيان فريد في ذاته مستقل بأنظمته متميز بشخصية ذات هيبة أكاديمية تجعل المجتمع بكل قواه وشرائحه تثني هامتها إجلالا له واحتراما وتقديرا لأعضاء هيئته الأجلاء والجامعات لا ينطبق عليها ما ينطبق علي بقية المؤسسات الرسمية في الدولة , إذ أنها نظام استثماري متكامل لكوادر كل ما فيها منتج وعندما نطبق عليها نظام من ،ُاستهلك جسديا فذاك لا ينطبق علي من فكره هو من تعًوًل عليه الأمة في بيان معالم الطريق وكسر جرأة الظلام ولا يكون مآله ( فلما بلغ أشده أحلناه للتقاعد) ولم تعد المقايضة في النظام علي وجود عضو متقاعد أو عدم وجوده يُحكم بالمعيار المادي الذي لا يعدو كونه جزءا بسيطا مما كان يتقاضاه من رواتب تم تحويل نسبة منها إلى راتب تقاعدي يساوي نصف مستحقاته إبان كونه علي رأس العمل, ولو تمت المقارنة,فإن إدارته لمحفظته المالية من منزله يُعد ريعها ليوم واحد يعدل ما يتقاضاه شهريا من راتب أساسي أو تقاعدي. ان النظرة المادية البحتة مرفوضة في تثمين فرصة وجود كفاءة وطنية تسهم بالخبرة والمعرفة والمشورة في توجيه دفة العمل الجامعي بكل أنشطته التي لم تعد تقتصر علي قاعات المحاضرات واستهلاك فكره المعرفي في مدرجات تكتظ بأعدادٍ من صغار السن حديثي العهد بالإنظمام إلى صروح الجامعات التي يتوجب علي جميع طلابها التحلي أولاً وأخيراً بقدر كبير من الخلق الحميد الذي هو مصدر عالم المعرفة . إن بناء كوكبة من المستشارين مطلب لا يسبقه أولويات في جامعات خلت من أصحاب الخبرة في جميع مجالات العمل الجامعي,الذي أصبح الآن يتجاوز حدود أسوارها بل وحدود المسافات الشاسعة من الوطن إلى أوطان وجامعات عالمية أخرى. في حين أن بعض الجامعات أصبحت تنتظر بفارغ الصبر تطبيق نظام التقاعد المبكر أو الذين قاربوا سن التقاعد ,ولم يعلموا بأن نظام التعليم الجامعي هو اكبر خاسر والمجتمع أيضاً, فالتفريط في كفاءة وطنية ذات تأهيل عالٍ لا يمكن أن يحل محلها عناصر شابة تؤدي أدوارها بكفاءة من سبقوها او تكمل المسيرة بنفس النجاح ,بل أن الأخطاء التي نجمت عن تولي العناصر الجديدة الشئون العامة أوقع الجامعات في أخطاء كثيرة لا يمكن تجاوزها أو إصلاحها في الوقت المنظور, والنظر إلى عضو هيئة التدريس المتقاعد بأنه استنفذ كل أدواره 'فهذا مرفوض ومردود علي من يحتج به ولا أخفيك سرا: أن الخبرة عمل تراكمي يتم تهذيبه علي مرَ السنوات ويتميز عندما يتمتع بمساحة كافية من الحرية تمكنه من التفاعل مع الأحداث. لقد كان الرعيل الأول من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات هم أوائل المبتعثين للجامعات العالمية التي وسعت شهرتها آفاق الكون في القارتين ألأوربية والأمريكية وكانوا سفراء الوطن المخلصين أدوا ادوار في التعريف بالوطن وترسيخ صورته الجميلة وعادوا بتميز واخلصوا لدينهم ووطنهم وأمتهم وأدركوا أهمية وقيمة العلاقات الدولية في العمل الجامعي حتى وصلوا إلى ذروة التلاحم المعرفي الذي صنعوه طوال سنوات العمل ,وهم الآن كنز امة تفخر بهم . فهل تكريمهم التخلص منهم؟ أم الاستفادة واستثمار وجودهم وعدم التعامل معهم بالأساليب الاستهلاكية المنفرة من الجامعة. إن شموخ الجامعات ورسوخ قدمها في تاريخ تعتز وتفخر به الأمم هي الجامعات المشرقة أجنحتها بمكاتب المستشارين من أبناء امة لا تقبل المزايدة علي أهدافها العليا ولا على صدق نواياها ولا ترضى أن تبيع ذممها بالبقاء في الحرم الجامعي مقابل حفنة من المال لا يكافئ إبداء رأى سديد أو مشورة ناصحة تضئ للمجتمع طريقه نحو القمة أو تبعده عن السقوط في الهاوية , دعني أحدثك بصدق وصراحة ,لو أراد بعض الجامعيين الانفكاك من الجامعة التي هي عشقه وغرامه لتأسيس مركز استشارات متخصص لرأيت الجامعة بكلها وكلكلها تركع عند مكاتبه طلبا لاستشاراته وهو جدير بها وقادر عليها ومقابل ما يحدده من ثمن؟ ولو رغب في تأسيس مشروع أكاديمي لرأيت رجال الأعمال يتسابقون لكسب وده وتوظيف سمعته وخبرته في مشاريع ريعها يتجاوز ما يجنيه غيره راتب مبخوس محسود, فلماذا وهو هنا في الحرم الجامعي لا نهيئ له الإمكانات ويتم استثمار وجوده فهو فكر وقلب نابض امضي كل حياته في بناء المعرفة وحان قطافها وهو من الذين:تغربوا عن الأوطان في طلب العلا ,وجنى من الأسفار خمس فوائد إن لم تكن أكثر, إن تفريغ الجامعات من رجال الفكر والخبرة وأصحاب الرأي سيجعلها خواء ومرتعا لمن لا يحسن التعامل الا بسياسة فرض الأمر الواقع والتمسك بذيول اللوائح المهترئة إن الصورة الفوسيفسائية التي تباهي بها بعض جامعاتنا وتنوع هيئة التدريس فيها قد يكسبها في مرحلة من المراحل دفعة مؤقتة شبيهة بالتنفس الاصطناعي ,ومع احترامنا لهم وتقديرنا لجهودهم فإنا لا نوجه لهم لوم أو نشك في علمهم والتزامهم بأداء ما يقومون به لكنهم عاجلاً أو آجلاً سيعودون إلى جامعاتهم ليكملوا مسيرة البناء هناك فهل سيبقون معنا إلى الأبد؟ أو نغلق جامعاتنا ونلحق بهم؟ الم نفكر في الانفكاك من التبعية؟ ونعطي ادوارا رئيسية لمن لا يغادرنا ولا يحولها إلى تبعية تمسخ شخصيتها أو يخلق ازدواجية ممقوتة توردها إلى هاوية سحيقة تصبح كيانا منكرا لن يأتي من يبعث فيه الروح أو تموت إلى الأبد.