محاولة جر المسلمين إلى ساحات حرب طويلة لم تنشأ اليوم، وإنما جاءت نتيجة لخلاف في المعتقد والطبيعة البشرية، وليست الحروب الصليبية إلا مقدمات لصراعات حضارية ودينية وعرقية، كذلك الأمر بالاستيلاء على «القسطنطينية» وتحويل إحدى أهم كنائسها إلى مسجد أثناء الدولة العثمانية، لا يزال جرحاً غائراً، استدعى أن تكون الأثمان تسليم فلسطين لإسرائيل، وعملية التعرض للنبي محمد صلى الله عليه وسلم تأتي جزءاً من فتح النيران الخطيرة، سواء بتصويره أو بالسخرية منه من قبل الصحافة، أو بإنتاج فيلم بدعم من متطرفين أقباط وإخراج شخصية يهودية. الإساءة جاءت للأقباط في كل أنحاء العالم قبل غيرهم، لأنهم تعايشوا في وطنهم مع مواطنيهم المسلمين بلا خلافات، وجذور هذه العلاقة قائمة، فقد تجاوروا واحتفلوا بأعيادهم، وكانت الحواجز تبقى شكلية في الحياة الاجتماعية وظلت المعتقدات محايدة عن أي خلاف، وقطعاً مثلما يوجد متطرفون إسلاميون، يوجد أقباط وغيرهم، والعبرة هنا بالدافع، فالهدف أكبر من التعرض لنبي الإسلام، بل خلق فرص لحرب بين الديانتين وداخل البلد الواحد، إلا أن عقلاء المسلمين والأقباط أقوى من أن يقبلوا بفتنة تخل بأمن وطنهم، والدليل أن كبار الكنائس في المهجر، أو بابا الأقباط المكلف، دانوا هذه التصرفات واعتبروها محاولة بائسة وغير أخلاقية لإشعال حرب بأدوات غير أخلاقية. أمريكا مصدر الفيلم وتداعياته، تدعي أن ذلك يدخل في الحريات العامة، وإذا كانت تعتبر التعرض للأمن جريمة يحاكم عليها من يعتبر حراً تحت طائلة القانون، فالديانات لها حرمتها لأن رد الفعل سيكون حاداً ومقلقاً طالما اندفع مسلمون غاضبون في مصر وليبيا والذي راح ضحيته سفير أمريكا وثلاثة آخرون، والقضية قد لا تقف عند هذه الحدود، فاختيار التوقيت لذكرى 11 سبتمبر لنشر الفيلم، ينظر إليه على أنه ثأر متعمد، وحتى لو كانت المسؤولية، كما تقول السلطات الأمريكية، تقع على منتجي الفيلم فالقاعدة العامة تفترض رؤية الاستفزاز على أنه سيجلب سخط ما يزيد على مليار مسلم لا يقبلون تبرير الحريات بالإساءة لمقدساتهم ونبيهم أياً كان المصدر والعذر. وإذا كانت أمريكا تعرف مخاطر مثل هذا العمل، فقد كان المفترض الموازنة بين ما تقول عن حرية الرأي، ومصلحتها العامة في إثارة المسلمين جميعاً، بل هي من تعطي المبرر لخلق عداء ومتطرفين يرون أن سياساتها وأفكارها وسلوك سلطتها تنبع من عداء مبيت للإسلام والمسلمين. لقد أعطت أمريكا ذخيرة حية سيكون عائدها عليها خطيراً، لأن التلاعب بمشاعر الشعوب حتى لو قالت إن استحالة منع فيلم كهذا سيجلب عليها احتجاجات أكبر في الداخل فمراعاة النتائج تفترض أن لا تكون القوانين بخدمة إثارة مشاعر عالم كبير لديه الحافز أن يحتج وأن يدفع بشعوبه إلى اتخاذ ما لا تستطيع السلطات وقفه، طالما مصدر القضية دولة عظمى تعرف مقياس الغضب والرضى عند شعوب تقدس دينها ونبيها.