دفع الربيع بن كعب المازني فرساً كان قد أبر على الخيل كرماً وجودة إلى أخيه كميش ليأتي به أهله، وكان كميش مشهوراً بالحمق، وقد كان رجلٌ من بني مالك يُقال له: قُرَاد بن جرم، قدم على أصحاب الفرس، ليصيب منهم غرَّة فيأخذها، وكان داهية، فمكث فيهم مقيماً، لا يعرفون نسبه، ولا يظهره هو. فلما نظر إلى كميش راكباً الفرس ركب ناقته، ثم عارضه، فقال: يا كميش، هل لك في عانة لم أر مثلها سمناً ولا عظماً، وعبر فيها الذهب، فأما الأُتُن فتروح بها إلى أهلك، فتملأ قدورهم وتُفْرح صدورهم، وأما العير فلا افتقار بعده! قال له كميش: وكيف لنا به؟ قال: أنا لك به، وليس يُدْرَك إلا على فرسك هذا، ولا يرى إلا بليل، ولا يراه غيري! قال كميش: فَدُونَكه! قال: نعم، وأمسك أنت راحلتي. فركب قراد الفرس، وقال: انتظرني في هذا المكان إلى هذه الساعة من غد قال: نعم! ومضى قراد، فلما توارى أنشأ يقول: ضيَّعتَ في العير ضَلاَلاً مهُرَكا لتطعمَ الحي جميعاً عيرَكا فسوف تأتي بالهوان أَهْلَكا وقبل هذا ما عدتُ الأَنْوَكا فلم يزل كميش ينتظر حتى أمسى من غده وجاع. فلما لم يَرَ له أثراً انصرف إلى أهله، وقال في نفسه: إن سألني أخي عن الفرس، قلت: تحوَّلَ ناقة! فلما رآه الربيعُ عرف أنه خُدع عن الفرس، فقال له: أين الفرس؟ قال: تحوّل ناقة! قال: فما فعل السرج؟ قال: لم أَذْكرُ السرج فأطلب له علَّة! فصرعه الربيع ليقتله، فقال له قنفذ بن جَعْوَنة: ألْهُ عما فاتك، فإن أنْفَكَ منك وإن كان أَجْدَع! وقدم قراد بن جرم على أهله بالفرس، وقال في ذلك: يؤَمِّلُ عيراً من نُضَار وعَسْجَد فهل كان لي في غير ذلك مطمع وقلتُ له: أَمْسك قلوصي ولا تَرمْ خدَاعاً له إذْ ذو المكايد يخْدَع فأَصْبح يَرْمي الخافقين بطَرْفه وأصبح تَحْتي ذُو أفانين جُرْشُع