لاشك أنّ للأمانات والبلديات في مناطق ومحافظات المملكة دورا هاما في تقديم الخدمات الأساسية التي لها مساس مباشر بحياة المواطن حتى داخل منزله، ومع التنامي المضطرد في أعداد السكان بالمملكة -الذي يعد أحد أكبر معدلات النمو السكاني في العالم-، وتزامن معه ازدياد في الضغط على الخدمات التي تقدمها البلديات، إلاّ أنّه لم يصاحب تلك المتغيرات زيادةً في الميزانيات المخصصة لأمانات وبلديات المحافظة، التي لم تعد تكفي، وبات مستوى الخدمات المقدمة في تردي وسوء مخيف؛ مما أكّد على أهمية أن تعيد وزارة المالية النظر في مخصصات وزارة الشؤون البلدية والقروية، التي بدورها يجب أن تضاعف ميزانيات بلديات المحافظات، خصوصاً تلك التي تعج بالسكان. مصادر الموازنة ولميزانية الأمانات والبلديات مصدران؛ أولهما التمويل المحلي، من خلال الرسوم التي تفرضها البلدية، بالإضافة إلى إيرادات المرافق التابعة لها، والمصدر الثاني هو ما تخصصه الحكومة من تمويل سنوي للأبواب الأربعة بميزانية البلديات، لإعانتها على تقديم الخدمات المختلفة للسكان. التنمية المتوازنة وأشار "د.عبدالعزيز بن معتوق البحراني" -نائب رئيس المجلس البلدي السابق بالاحساء- إلى افتقار موازنات الأمانات والبلديات في الوقت الحاضر لأي معايير مهمة، بل إنّها غالباً ما تكون معتمدة على وضع سابق لموازنة كل بلدية، مشدداً على أنّ لهذا أثرا سلبيا على كافة الجوانب التنموية لتلك المحافظات، ويشكل عائقاً أمام ما يُعرف بالتنمية المتوازنة لمختلف المناطق والمحافظات. معايير لتحديد الميزانية واقترح "د.البحراني" جملة من المعايير العلمية لتحديد ميزانية بلديات المحافظات وتمثلت في الآتي؛ النظر إلى عدد السكان، حيث إأنّ السكان هم المستهدفون في تقديم الخدمات البلدية، لافتاً إلى أنّ ولاة الأمر -حفظهم الله- دائماً ما يؤكدون على أهمية تحقيق العدالة والمساواة بين كافة المواطنين في تنفيذ برامج التنمية، إلى جانب عدد ومساحة المدن والقرى، التي تشكل أهمية كبيرة في إيصال الخدمات؛ خاصةً عندما تكون متباعدة مثل الهجر أو متنوعة من مدن وقرى مختلفة الأحجام والسكان، ويمكن قياس ذلك بمساحة مناطق التنمية العمرانية وعددها، إضافة إلى الأهمية الإقليمية للموقع، من حيث دوره كحلقة وصل بين المملكة والدول المجاورة؛ مما يضيف إلى تركيز التنمية في مثل هذه المواقع لإعطاء صورة مشرفة للبلاد، وقوة الجذب السياحي، فهي عامل مهم، بسبب توافد السياح سواء للترفيه أو العمل؛ مما يستدعي أهمية إكمال ورفع مستوى الخدمات، والمكانة الخاصة لبعض المناطق مثل؛ العاصمة الإدارية أو العاصمة الدينية؛ مما يقدم المبررات القوية لدعم ميزانية الخدمات البلدية في هذه المواقع، نظراً لأهميتها ليس على المستوى الوطني بل الإقليمي والدولي، معتبراً أنّ تطبيق مثل هذه المعايير سيسهم في ترسيخ وتحقيق مفهوم التنمية المتوازنة بشكل كبير لمختلف المناطق والمحافظات. التأثر بالمناقلات المالية ولفت "د.البحراني" إلى أنّه قد يكون توزيع ميزانيات البلديات المختلفة بالمحافظات إلى حد ما معقول، إلاّ أنّها تأثرت بالمناقلات المالية من مشروعات حيوية يفترض تنفيذها إلى أخرى دون وجود مبررات موضوعية حقيقية، بسبب اجتهادات غير مدروسة من البعض، مع غياب إثباتات تفصيلية بالأموال التي تم صرفها في تلك المشروعات، إلى جانب عدم الرجوع إلى المجلس البلدي المناط به مراقبة أداء البلدية، إضافة إلى غياب ممثلي المجالس البلدية عن المناقشات التي تتم مع وزارة المالية بخصوص الميزانيات المالية التي تخص الأمانات أو البلديات، خصوصاً تلك المتعلقة بالمشروعات المقترحة، فقد تصرف بعض الأمانات بسخاء في مواقع وتقتر على مواقع أخرى، وهذا بلا شك تفضيل مرفوض. متابعة الإحتياج لخدمات السفلتة أصبح أسهل بفضل التقنية الحديثة زيادة الدور الرقابي وبيّن"د.البحراني" أنّ المجالس البلدية هي الأقدر والأجدر بالدفاع عن ميزانية المشروعات، حيث تنص المادة الخامسة من اللائحة التنفيذية الحالية للمجالس البلدية على أنّ من مهام المجلس أن يبدي رأيه ومقترحاته حيال مشروع الميزانية قبل عشرة أيام على الأقل من موعد مناقشته في الوزارة، مطالباً أن تتم إضافة مادة في اللائحة التنفيذية للمجالس البلدية تتعلق بضرورة مشاركة المجالس البلدية في المناقشات التي تتم مع وزارة المالية بخصوص الميزانيات المالية التي تخص الأمانات أو البلديات، مع زيادة صلاحيات المجالس البلدية وإعطائها مزيدا من التشريعات تمنح سلطة تنفيذية أوسع للمجالس البلدية مع استقلالية لممارسة الدور الرقابي الحقيقي للمشروعات المعتمدة. استقلال الموازنة المالية ونوّه "سلمان الحجي" -عضو المجلس البلدي في الأحساء- بما أوصى به صاحب السمو الملكي الأمير د.منصور بن متعب بن عبدالعزيز وزير الشؤون البلدية والقروية، حيث شدد على أهمية التركيز في النشاط البلدي على القرى، التي تعاني نقص في الخدمات وضعف الإمكانات، بسبب أنّ الخدمات البلدية في تلك المناطق لا تقارن بما هي في المدن الرفاهية، وهذا ما يجب التنبه له والعمل عليه، منتقداً فكرة وجود بلديات فرعية في "الأحساء" من دون مخصصات مالية مستقلة، رغم أنّ بعض هذه البلديات تقدم خدماتها لما يزيد عن مائتي ألف نسمة، ورغم محاولاتهم في المجلس البلدي بدورتيه من أجل تحقيق استقلال موازناتها المالية، إلاّ أنّهم فشلوا، في حين توجد مناطق عدد سكانها لا يتجاوز خمسة آلاف نسمة لها موازنة مالية مستقلة، داعياً لأن تكون هناك معايير دقيقة وديناميكية في ذلك، معتبراً أنّ ما يخصص ل"الأحساء" لا يكفي لسد كافة الاحتياجات البلدية، مؤكداً على أهمية الأستغلال الأمثل للموارد المتاحة. المجالس البلدية غائبة عن مناقشة وإقرار الميزانية والحد من «المناقلات» بين المشروعات آثار إيجابية وتطرق"الحجي" للآثار الإيجابية التي ستتحقق لو توفرت الاعتمادات المالية الكافية بأكثر من ميزانية مالية واحدة في المحافظة، وأجملها في زيادة المخصصات المالية المحددة في الأبواب الأربعة، وتوفر فرص وظيفية أكثر، وإفادة الميزانيات المالية من أي مخصص مالي تحدده وزارة الشؤون البلدية والقروية بشكل استثنائي، وتغطية المساحات البلدية المرتبطة بها بمشروعات إستراتيجية وهامة كالجسور، والأنفاق، والحدائق، والمتنزهات، وإنشاء مشروعات سياحية، وتوفر مجالس بلدية لكل ميزانية مالية مستقلة. تأخر المشروعات وأبدى "عبدالرحيم بوخمسين" -عضو المجلس بلدي الأحساء السابق- ثقته التامة بأنّه لا يوجد بلدية أو أمانة في المملكة تعطى ميزانية تساوي ما تم طلبه، لافتاً إلى أنّ الطلب والطموح والحاجة للتنمية البلدية تفوق كثيراً الإمكانات والموازنة المخصصة للوزارة؛ مما يؤدي إلى تعطيل وتأجيل سد الحاجة، مشدداً على أنّ التأخير يضاعف الحاجة بطريقة تراكمية وتظهر الآثار السليبة كلما أخطأنا في ترتيب الأولويات، مشيراً إلى أنّ الميزانية الحالية للبلديات والأمانات ترتفع وتنخفض بناء على قدرات الطاقم التنموي في المحافظة، فقوة وضعف الطاقم يؤثر مباشرة في خدمة المواطن، منبهاً إلى أنّ حسم الموازنة يجب أن يسير بمعايير ثابتة لا تتغير بتغير الطاقم، مضيفاً : "تأخير بعض المشروعات المطلوبة والملحة ينتج عنها سلبيات مباشرة، خاصة إذا أعتمد على مشروع معين متعلقات بأخرى من وزارات مختلفة، فعلى سبيل المثال تغطية المصارف الزراعية شأن هيئة الري والصرف والسفلتة شأن البلدية فعمل الأول وتأخير الثاني عائق استغلال في الإنجاز الأول". توزيع الميزانية واعتبر "حجي النجيدي" -عضو بلدي الاحساء- أنّ توزيع الميزانيات يكون في حالات مستندة على معطيات واجتهادات شخصية لمسؤول، مبيناً أنّ الميزانية هي الرئة التي تتنفس منها المشروعات التنموية، والتي ينعكس صداها على النهضة الحضارية في المحافظات وقراها. التنسيق مع الأهالي وأكّد "عبدالله السلطان" على أنّ عدم إجراء المسح لإحتياجات الخدمات البلدية للقرى يتسبب في عدم حصولها على ما تستحقه من ميزانيات للمشروعات البلدية، مبيناً أنّ السبب في ذلك يعود لعدم إعطاء القرى الفرصة في التطوير، إلى جانب تركيز الخدمات البلدية في مواقع معينة بالمدن، في حين تنخفض بشكل لافت في القرى إلى حد عدم توفر الحد الأدنى من الخدمات، مضيفاً أنّه ورغم علم جهات الإختصاص أن قرى "الأحساء" عبارة عن مدن صغيرة، إلاّ أنّها وللأسف في حالة الخدمات البلدية يمكن أن يطلق عليها هجر كبيرة لحاجتها الماسة للخدمات البلدية، مطالباً بالتنسيق مع أهالي القرى والأحياء لتحديد أولوياتهم من الإحتياج في الخدمات البلدية، حيث سيكون ذلك عاملاً مساعداً في تخطي مرحلة الخلل أثناء توزيع الميزانيات البلدية، و يمكن الاستعانة في ذلك من خلال المؤسسات الاجتماعية من جمعيات خيرية ولجان التنمية الإجتماعية. غياب التوازن وأعرب "ناهض محمد الجبر" -نائب رئيس المجلس البلدي في الأحساء- عن أسفه لغياب منهج علمي في توزيع الميزانية بالأمانات والبلديات، بحيث قد يحصل أحد الأحياء السكنية على نصيب (50%) من مشروعات السفلتة لشوارعه، بينما تحرم قرية أو حي آخر من المشروعات، داعياً إلى حصر سنوي للشوارع غير المسفلتة في كل مدينة، ومطالباً بتشكيل لجان تُعنى بمتابعة مثل هذه الأمور ميدانياً في مدن وقرى المحافظات؛ لترصد مخالفات بعض المسؤولين في الأمانات والبلديات حيال غياب التوازن في توزيع الميزانيات، إلى جانب إعتماد معيار المنهج الرقمي المقارن لإعتماد الميزانيات الخدمية، حيث إنّه يعني وضع منهج علمي يعتمد على الأرقام والبرامج الزمنية، فلكل مدينة سجل رقمي يدل على احتياجاتها التمويلية موزعة على عدد من السنوات، فهي تحتاج مثلاً إلى (1000) عمود إنارة كل سنة، وتحتاج إلى (400,000 متر) مسطح من الإسفلت، وفي ظل عدم وجود منهج رقمي ستتراكم الإحتياجات؛ مما يجعلها تعاني وتشتكي، وهذا ينتج عنه تنمية غير متوازنة وتوزيع غير عادل للخدمات. المرصد الحضري ورأى "الجبر" أنّ رصد المشروعات في كل مدينة وقرية يتطلب وجود استشاري، ليحصر الأعمال بطريقة تشبه "المراصد الحضرية"، مشيراً إلى أنّ أعمال السفلتة والإنارة هي المهمة الرئيسة للبلديات، وهي عناصر واضحة وليست أعمالا غامضة، مضيفاً أنّ معرفة حاجة مدينة إلى معظم الخدمات البلدية يمكن معرفته من خلال الصور الفضائية عن طريق أي البرامج التقنية وبسهولة متناهية مثل "جوجل إيرث"، في حين كان الأمر سابقاً يحتاج إلى مكاتب استشارية وطاقم عمل كبير، أما الآن فإنه في متناول اليد. د.عبدالعزيز البحراني ناهض الجبر عبدالرحيم بوخمسين سلمان الحجي حجي النجيدي عبدالله السلطان