تجربة توظيف النساء في محلات بيع الأشياء النسائية مثيرة للاهتمام. نجاحها قد يعني أشياء كثيرة. بعيداً عن الجانب الثقافي في الموضوع يمكن النظر إليها من الناحية الاقتصادية وأهميتها على أمن البلد ورفاهيته. لم أسمع حتى الآن الارقام المالية. كم وفرت البلاد من هذه الحملة. تعد المملكة ثاني أكبر دولة في تحويلات العمالة بعد أمريكا. هذا الرقم مهم. يفترض أن يكون جزءاً من معلومات المواطن السعودي العادي، وان يعرف دلالاته. تجربة عظيمة يمكن تكرارها مع الرجال ايضا. كل مراكز التجزئة الصغيرة تحت سيطرة غير السعوديين. البقالات، محلات بيع الأدوات الكهربائية والسباكة، محلات بيع الأحذية.. الخ. إذا اخذنا البقالات على سبيل المثال سنجد أننا أمام آلاف الوظائف المهدرة. فوق كلمة وظيفة ودخل للمواطن هنا شيء آخر يتصل بالخبرة في مبيعات التجزئة. بدأت البقالات في السعودية من حوالي مئة سنة او أكثر. من النادر أن يعمل بها سعودي. تنظيمها الإداري أخذ الشكل الثابت: اسم المالك سعودي والمالك الحقيقي هندي أو بنغالي أو غيرهما. كل واحد منا يعرف هذه الحقيقة. قوة حضور هذا الواقع وإذعاننا له تركنا بلا خيار. لم يعد الأمر موضع نقاش. كأنما هذا هو الصحيح الذي لا خلاف عليه. نسينا الموضوع تماما. فشل تجربة سعودة محلات الخضار لقنتنا درساً. البقالة امتداد لمحل الخضار. الفشل في محل الخضار سوف يقودنا إلى الفشل في البقالة. لا أتذكر لماذا فشل موضوع الخضار ولكن هناك فشلات اخرى تزيدنا إحباطاً. خذ على سبيل المثال سعودة الليموزين والكاشيرات وغيرهما.أعتقد أن النجاح الذي حققه مشروع سعودة المحال النسائية يعود إلى سبب ثقافي. اكتسب قوته وأهميته وزخمه من الصراع بين التنويريين، والمحافظين. انهزم العناد أمام المنطق. بقية السعوَدات خارج هذا الصراع. لا مكان لها على صفحات الجرائد إلا في الأيام الاولى. سيعلق المثقفون امر الصراع على عاتق الجهة الحكومية المسؤولة عن الموضوع، ويلتفتون إلى جهة اخرى. المعروف أن الدوائر الحكومية قصيرة نفس. لا تستطيع أن تطاول أصحاب المصالح. لكن وزارة العمل اكتسبت خبرة تصارُع وتعارك لا يستهان بها. من حقق نصرا يستطيع أن يحقق نصرا آخر، وربما يدمن على الانتصارات. هذا ما أرجوه لوزارة العمل. البدء بسعودة البقالات. ممنوع أن يجلس في البقالة غير سعودي. إذا كنت لا تملك الوقت أو القدرة أغلق البقالة أو بعها. ممنوع إصدار فيز استقدام للبقالات. الناس لن تموت من الجوع عند إغلاق نصف البقالات في البلد. سيكون الصراع بين التنابلة، وبين الشباب العملي الخلاق. يرهن الوضع الحالي البلد واقتصاديتها الصغيرة في أيدي التنابلة. مجرد أن يسجل البقالة باسمه ويكسبها الغطاء القانوني يترك باقي المسؤولية على عاتق العامل. ينقلب الوضع. يصبح العامل صاحب المحل، والسعودي (التنبل) يأخذ راتبا شهريا معلوما. دمر هذا الوضع فرص الشباب الطموح، القادر على العمل. لكن السعودي أياً كان لايمكن أن يزاحم الهندي أو الأفغاني (الاعزب). لايمكن أن يعمل ست عشرة ساعة في اليوم. ولايمكن في نفس الوقت أن يخترق الشبكة الاجنبية التي تسيطر على هذا النوع من النشاط. يطيرونه في ساعة واحدة من السوق. إذا رحموه اشتروا منه بقالته وأخرجوه من السوق بثيابه. وضع البقالات والاعمال الصغيرة يحتاج تدخلاً صريحاً من وزارة العمل في حرب لا هوادة فيها.المعركة ستطول ولكنها معركة مصيرية سوف نجني منها أرباحاً عظيمة تفوق الأرباح التي سنجنيها من أي سعوَدة أخرى.