لا أحد ينكر أهمية محال بيع المواد التموينية الصغيرة «البقالات»، خاصة المنتشرة وسط الأحياء في توفير بعض السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية، فيما يقبل العديد من سكان الأحياء على شراء احتياجاتهم منها لقربها من موقع سكناهم، ولأن معظمها يتعامل بالدين، على العكس من محال «السوبر ماركت» والأسواق الكبيرة، إلا أن ما يؤخذ على البقالات مغالاتها في الأسعار، لذلك يتجنب بعض المستهلكين الشراء منها بسبب عشوائية البيع، فيما أكد البعض أن تفاوت الأسعار لا يقتصر على البقالات الصغيرة فحسب، بل يشمل حتى المحال الكبيرة التي تعلن عن عروض أحيانا تحتاج إلى متابعة ومراقبة من جهات الاختصاص. إلى أي مدى يصدق هذا الاتهام الموجه لمحال بيع المواد التموينية والبقالات الصغيرة؟. داخل محل لبيع التموينات الغذائية في حي الربوة شمالي جدة، عادل الفارسي قال: ما ألاحظه أن هناك تفاوتا بين أسعار بعض السلع الأساسية في محال التموينات الصغيرة مقارنة بمحال «السوبر ماركت»، مضيفا أن ما يدفعه للذهاب إلى البقالات هي الظروف حينما تضطره لشراء سلعة بعينها، فيما تختلف محال السوبر ماركت عن البقالات لأسباب كثيرة، أهمها ضمان وجود مختلف المواد الغذائية والاستهلاكية، مطالبا «التجارة» بتكثيف جولاتها على البقالات وتصحيح أوضاع المخلف منها. ويروي خالد الزهراني، من نفس الحي، موقفا جعله يفضل شراء مستلزمات منزله الغذائية «السوبر ماركت» أو «الهايبر»، إذ يقول: أتجنب الشراء من البقالات بعد موقف جعلني أهجرها، عندما اشتريت عصيرا تفاجأت حينما فتحته في المنزل، انبعاث رائحة غريبة وبدأ يفور بغازات، رغم أنه كما هو مدون على العبوة «عصير طبيعي»!. ويضيف الزهراني، معظم البقالات لا تلتزم بوضع الأسعار على بعض المنتجات، وهذا يدل على أنها لا تخضع للرقابة، إذ أن البضائع تتكدس فيه بشكل عشوائي. ويرى وائل غازي أن هناك فرقا كبيرا بين البقالات الصغيرة ومحال السوبر ماركت، حيث تلتزم الأخيرة بوضع التسعيرة على البضائع المعروضة، بينما تتجاهل البقالات وضعها فيصبح المستهلك في حيرة من أمره، فكيس السكر الصغير على سبيل المثال، تجده في محل بثلاث ريالات، وفي آخر بزيادة نصف ريال، وتجده في محال السوبر ماركت بأسعار متفاوتة. وتابع قائلا ما نلاحظه على البقالات أنها تضع المنتجات الغذائية بجانب المنظفات أو في أماكن غير مناسبة تتعرض من خلالها للحرارة، ما يتسبب في التقليل من صلاحيتها، وبالتالي تلفها قبل موعدها، مطالبا بضرورة تكاتف الجهود لحماية المستهلك وإجبار أصحاب هذه التموينات على الالتزام بالأسعار والاهتمام بطرق وأسلوب التخزين حفاظا على السلامة. وبدوره يروي محمد سعيد «ذات يوم ذهبت لشراء حليب من البقالة في الحي، حيث إن السعر معروف لدي بأربعة ريالات، غير أنني تفاجأت حين طلب مني البائع زيادة نصف ريال دون مبرر، وحين سألته أجاب بأن الشركة رفعت الأسعار، طبعا لم أشتريه ووجدت أن البقالة تزيد في السعر». سمير زمزم البائع في محل تموينات مواد غذائية جنوبي جدة، قال خلافا لما ذكره بعض المستهلكين: نحن ملتزمون بوضع التسعيرة على كل السلع، صحيح أن هناك سلعا أسعارها معروفة لدى المستهلك مثل المشروبات والسكر والشوكولاتة والأجبان والحليب وغيرها، لكن نحرص على كسب الزبون ونحاول أن نكون على علاقة جيدة مع زبائن المحل من الحي، غير أن ما نعانيه هو أن بعض الشركات تزيد في السعر فجأة دون سابق إنذار، حيث يلاحظ ذلك الزبون حينما يجد أن ما اعتاد على شرائه قد ارتفع سعره، كحفائظ الأطفال على سبيل المثال التي ارتفع سعرها ريالا واحدا، وهناك بعض الشركات تبيع المواد للبقالات بأسعار أعلى منها للمحال الكبرى، وبالتالي يجد البعض أن الأسعار لبعض السلع في البقالات مرتفعة. تلاعب المحال الكبيرة إلى ذلك يعلق الكاتب الاقتصادي، حبيب التركستاني، أن البعض يعتقد أن المحال الصغيرة مثل البقالات، هي من تتلاعب بالأسعار، أو تبيع بسعر أعلى، في حين أن المحال الكبيرة هي من تتلاعب في الأسعار وبطرق كثيرة، وفي النهاية يتحملها المستهلك بطريقة غير مباشرة، مشيرا إلى أنه يجب الاهتمام بالمشروعات الصغيرة وتشجيعها ودعمها، لأنه إذا انتفى وجود وأهمية البقالات، فإن ذلك سيؤدي إلى الضعف الاقتصادي، إذا لا بد من مراعاة المشاريع الصغيرة بما لا يقل عن بقالتين في كل حي. من جهته يقول عضو جمعية الاقتصاد السعودي كبير اخصائيي تخطيط التسويق عصام خليفة، أن معظم السلع الضرورية والكمالية بمختلف أنواعها تشهد تباينا في أسعارها بين البقالات ومحال السوبر ماركت والهايبر، إذ تصل أحيانا إلى 100 في المائة، وهذه الظاهرة ليست جديدة ولا غريبة على السوق، وذلك يعود إلى عدة أسباب منها أنه على الرغم من أن «التجارة» هي المسؤول الأول عن حماية المستهلك ومراقبة الأسواق، إلا أن ضعف إمكانياتها المادية والبشرية أدى إلى عدم قدرتها على تطبيق الأنظمة والرقابة الفعالة على الأسواق، فضلا عن استغلال بعض ضعاف النفوس من التجار في التلاعب برفع الأسعار يقينا بأنه ليس هناك رقيب عليهم، إضافة لغياب وجود مرجعية تبين أسعار السلع التي يقبل عليها المستهلكون، وغياب ثقافة الوعي الاستهلاكي عند الأسرة وعدم رغبتها في تغيير النمط الاستهلاكي واختيار السلع البديلة ذات الجودة الجيدة، مبينا أن المستهلك يخطئ إذا اعتقد بأن «التجارة» قادرة بمفردها على ضبط إيقاع أسعار السلع والخدمات، داعيا جمعية حماية المستهلك بأن تضطلع بدور فاعل في مواجهة الاستغلال من جانب التجار، ذلك أن الأساس في المسألة هو المستهلك باعتباره طرفا مباشرا في العلاقة، ولا بد من أن يتسم دوره بالإيجابية والمبادرة، ولا سيما أن المسألة لا تتعلق فقط بالأسعار بل تطال أيضا قضايا أخرى تتعلق بالأسواق مثل الغش التجاري وسلامة الأغذية وغير ذلك من قضايا تتطلب رقابة مجتمعية وإعلامية لا تقل فاعليتها عن الرقابة الحكومية. معاقبة المخالفين من جهته، يؤكد رئيس الرقابة التجارية في فرع وزارة التجارة والصناعة في جدة أحمد معبر، أن هناك مراقبة على كل المحال التجارية سواء كانت بقالات أو محال سوبر ماركت، في عدم تجاوز التسعيرة المحددة، بحيث أن على جميع المحال التقيد بالتسعيرة ووضعها على كل سلعة، حتى يكون المستهلك على بينة من الأسعار، مشيرا إلى أن من يتجاوز الأنظمة سوف يتعرض للعقوبة. وأضاف معبر، إذا وردت شكوى ضد أي محل أو بقالة بتجاوز الأسعار، فإننا على الفور نحقق في الموضوع، والتأكد من أن المحل ملتزم بالأنظمة بدون مبالغة في الأسعار. إلى ذلك أيضا أوضح مصدر في أمانة مدينة جدة، أن البقالات طبقا للائحة الصادرة من وزارة الشؤون البلدية والقروية لعام 1426ه هي محال مرخصة ومخصصة لبيع المواد الغذائية وغير الغذائية، وتعمل بنظام الخدمة الذاتية للسلع المعبأة والمغلفة وسابقة التجهيز، أما في حالة السلع الغذائية غير المعبأة، فيتولى أحد العاملين خدمة العميل مباشرة بتجهيز وإعداد ما يحتاجه. وأكدالمصدر أن الأمانة تبذل جهدها بشأن المراقبة على المحال ذات العلاقة بالصحة العامة، خاصة المحال والبقالات الصغيرة؛ للتأكد من سلامة ما يعرض بها من مواد غذائية تجنبا لتعرض المستهلكين لخطر الإصابة بالأمراض من جراء تناول طعام غير آمن صحيا، مشيرا إلى أن هناك اشتراطات عامة طبقا للائحة الصادرة من الوزارة لابد من توافرها، ومنها على سبيل المثال أن تتناسب مساحة البقالة مع حجم العمل داخلها وأنواع الأنشطة التي تمارس فيها، وتخضع هذه المحال لاشتراطات عامة عند الحصول على ترخيص وخاصة ما يتعلق بموقع ومساحة المبنى، وكذا التجهيزات الداخلية، ويتم الرقابة عليهم وبصفة دورية، حيث يتم الكشف على التراخيص المنظمة لطبيعة العمل والشهادات الصحية للعاملين للتأكد من خلوهم من الأمراض المعدية. كما أن هناك اشتراطات خاصة لا بد من توافرها وتتعلق بنقل وعرض وتخزين المواد الغذائية، فعلى سبيل المثال تم خلال الفترة من 1/7/1431ه حتى 30/9/1431ه تجديد رخصة 1008 محال، وإصدار تراخيص جديدة ل 599 محلا.