نحن " ندين ونستنكر " فقط .. أما هُم " فيحاكموا ويعاقبوا " ! هذا ما فعلناه عندما سمحت المحكمة الألمانية للحزب اليميني المتطرف " من أجل ألمانيا " أن يرفع صوراً كاريكاتورية مسيئة لنبي أمتنا، وخاتم الأنبياء والرسل، محمد صلى الله عليه وسلم، فوق مساجد ثلاثة كبيرة في منطقتين بالعاصمة برلين ضمن مظاهراتهاالمنطلقة من شعارات عنصرية وعدائية مثل " أوقفوا الأسلمة " و " الإسلام لا ينتمي لألمانيا " ! هذا الفعل الذي شجب واستنكر وأدين في بيان صدر من المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة " الايسيسكو " لا نقلل من شأنه، بل ونقدّر لها تنديدها بموقف المحكمة الألمانية الذي رفض الشكوى العاجلة التي تقدمت بها لجان تلك المساجد .. ولكن هل يكفي هذا ؟ تأملوا حادثة أخرى وقعت في هذا الأسبوع، تحكي عن مصمم أزياء بريطاني شهير، شتم امرأة في مطعم باريس كانت تتناول فيه الطعام مع زوجها، ولأن شتيمته تضمنت عبارة " أنتِ ... يهودية بشعة " فقد رفعت عليه قضية وحكمت عليه المحكمة الفرنسية بغرامة ستة آلاف يورو بتهمة " معاداة السامية " .. ولم يكتف المجتمع الفرنسي بهذا الحكم فقط، وإنما عمدت الحكومة الفرنسية إلى سحب وسام جوقة الشرف الذي كانت قد منحته إياه في وقت سابق، وليس هذا فقط بل المصمم خسر كذلك وظيفته كمدير فني في بيت " ديور " للأزياء فور الواقعة مباشرة ! في الحادثتين هناك مبررات لأصحابها.. الذين أساؤوا لرسولنا الكريم برسومهم قالوا إنها " حرية فنية " و " حرية تعبير " لا تدعو إلى الكراهية أو العنف ضد المسلمين ! .. فتم أخذ هذه المبررات بعين الاعتبار لصالحهم هم .. ولم يشفع لنا الضرر الديني والنفسي والفكري الذي لحق بنا جرّاءها ! ومبررات الحادثة الثانية ساقها صاحبها من باب كونه مدمناً على المخدرات والكحول وأنه لم يكن في وعيه حين تلفظ بالشتائم، لكن ذلك لم يؤخذ بعين الاعتبار ولم يبعده عن تهمة معاداة السامية التي كبدته خسائر مادية ومعنوية واجتماعية كثيرة ورمته في مركز لإعادة التأهيل ! فبأي ميزان يحاكمون هذه الأمور ؟ .. وبأي منطق علينا أن نقبله ونذعن له ؟ وما الذي جعل جريمة الإساءة لديننا أمراً مسكوتاً عنه .. بينما الإساءة للسامية أمر مقدس لا مساس فيه ولا هوادة ؟ متى يأتي اليوم الذي تتوقف فيه كل هذه المواقف المستفزة المثيرة للأحقاد والفتنة والعنف ؟ متى نخرج من إطار " الشجب والاستنكار " إلى إطار " الحكم والمعاقبة " ونرسخ تشريعاً دولياً واضحاً وحازماً يجرّم كل ما من شأنه الإساءة لديننا ونبينا في أي بقعة كانت .. وفي أي زمن كان ؟