تسعى دور النشر الفرنسية إلى التصدي لانعكاسات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والمالية الحادة على النفوس؛ وهي أزمة تشهدها فرنسا على غرار بلدان أوروبية كثيرة.. ويتثمل مسعى دور النشر الفرنسية هذا مثلا عبر عدم تقليص عدد الكتب التي دأبت على إصدارها في الخريف أهم المواسم الأدبية السنوية الفرنسية، فعدد الروايات الجديدة التي ستنزل إلى الأسواق الفرنسية خلال الأيام القليلة المقبلة، هو ست مئة وست وأربعون رواية، مقابل ست مئة وأربع وخمسين خلال الموسم السابق أي بانخفاض طفيف جدا. وقد لوحظ أن احتداد الأزمتين الاجتماعية والاقتصادية في فرنسا لم يحل دون الفرنسيين ودون الإقبال على المنتجات الثقافية، وهو ما تدل عليه مثلا الطوابير الطويلة أمام قاعات السينما والمسرح وداخل المحلات الكبرى المتخصصة في بيع الكتب وعدد كبير من المواد الثقافية الأخرى. "زنقة زنقة" ومما يثير الانتباه في نتاج موسم الخريف الأدبي الفرنسي هذا العام رواية عنوانها "ثنايا العواصم المسنة الوعرة" وهذا الأثر صادر عن دار نشر باريسية صغيرة تسمى "غالاد" وتعرف بإقبالها على نشر النصوص التي تخرج عن الأطر المألوفة، وهذه الرواية هي أطول نص أدبي من نصوص الموسم لأنها جاءت في ألف وسبع مئة وسبعين صفحة، ومن الأسباب التي حملت الدار على إصدار الرواية هو اقتناعها بأن النقاد مضطرون إلى قراءتها كلها بتأن قبل الكتابة عنها على عكس تقليد يسلكه عدد من النقاد ويتثمل في الكتابة حول نصوص قصيرة بعد قراءتها بشكل سريع أو جزئي.. وكثيرا ما يسيء هؤلاء النقاد إلى أعمال أدبية لأنهم يحكمون عليها من خلال قراءات سريعة لا عبر غربلتها بغرابيل لا تترك حيزا للشوائب في ما يتبقى مما تغربل. وأما صاحبة هذه الرواية فهي كاتبة فرنسية تسمى" سيلفي توسيغ" وتقص الكاتبة في روايتها قصصا كثيرة متشابكة فيها دوما صراع مباشر أو غير مباشر بين مشاعر الإنسان المتباينة، بل إن الكاتبة توفق في الجمع أحيانا بين هذه المشاعر المتباينة عبر ثنايا ملتوية تشبه كثيرا ثنايا كثير من شوارع باريس وأنهجها وأزقتها، كما توفق الكاتبة من خلال روايتها الجديدة في جعل باريس شخصية متحركة بذاتها ومتفاعلة مع شخصيات الرواية البشرية، وتأتى لها ذلك لعدة أسباب وعوامل منها: أن الكاتبة التي ولدت في العاصمة الفرنسية عام 1969م وحيث تقيم تعرفها "زنقة زنقة" بما تعج به من نفوس ومشاعر وثقافات وخصوصيات وحضارات ومرجعيات. والملاحظ أن "توسيغ" نشرت من قبل قرابة عشرة كتب منها رواية عنوانها "سجن" ونصوص مترجمة عن كتاب وفلاسفة منها أساسا نصوص الكاتبة الفيلسوفة "حنة آرنت" وهي أمريكية من أصل ألماني وكتبت كثيرا في القرن الماضي حول الفكر السياسي والاستبداد والحداثة.