كان من المعضلات التي حيرتني منذ الصغر هو كون العرب يتباكون على هيروشيما وناجازاكي أكثر مما تباكى اليابانيون أنفسهم. أو على أقل تقدير أن المثقفين العرب مافتئوا يكتبون عن تلك النكسة وكأنهم يستحثون كره اليابانيين للأمريكيين وينتظرون ثأرا قادما من اليابانيين ضد الغطرسة الأمريكية تشفي غليلهم. نعم حيرني «تيبن» المثقفين العرب أكثر من اليابانيين. بحثت عن الإجابة في متون الكتب وثنايا المقالات وأخيرا وجدتها. وجدتها لدى اليابانيين. ففي كتاب العرب وجهة نظر يابانية لمؤلفه الياباني «نوبوأكي نوتوهارا» واجه المؤلف تساؤلا من عامة العرب ومثقفيهم. يقول نوبوأكي: كثيرا ما واجهت هذا السؤال في البلدان العربية «لقد ضربتكم الولاياتالمتحدةالأمريكية بالقنابل الذرية فلماذا تتعاملون معها» ثم يضيف نوبوأكي :العرب عموما ينتظرون من اليابانيين عداء عميقا للولايات المتحدةالأمريكية لأنها دمرت المدن اليابانية كافة. وبينما كان العرب ينتظرون إجابة تلقي باللائمة على الطرف الآخر جاءتهم الإجابة التي لايحبونها. فقد أرجع نوبوأكي السبب إلى اليابانيين إلى أخطاء العسكر الذين حكموا اليابان وجروها إلى الهزائم والدمار. الإجابة التي تزعج العربي مثقفا ومسؤولا هي نقد الذات وتعريتها للتعلم من الأخطاء. هنا يتجلى الخلل في الثقافة العربية حيث أننا دائما نبحث عن الآخر لنلقي باللائمة عليه ونتمادى في أخطائنا من دون أن نفسح المجال لنقد الذات أو مراجعتها. ولهذا استمر العرب في تخلفهم وخلافاتهم بينما تقدم اليابانيون الذين خرجوا مهزومين مدمرين. واختلقت شخصيات قد تكون وهمية وقد يكون مبالغ في دورها لتبرير الإخفاقات المتكررة منذ الأيام الأولى للتاريخ العربي. طبعا المؤلف عرض لعدد من الظواهر التي ساهمت في تشوه الفكر العربي. ومنها الخوف وعدم الإحساس بالمسؤولية والقمع وانعدام الحرية وأورد شواهد من الحياة العامة. ولعل أهمية ما أورده المؤلف الياباني تأتي من كونه عاش في العالم العربي مدنه وأريافه بل عاش مع البدو الرحل في بادية الشام ودوّن ملاحظاته في المدينة والقرية والصحراء. ولخص تجربته في كتاب ألفه باللغة العربية فسلم كتابه من عبث المترجمين. طبعا لن أنتظر أن يأتي ترياق الثقافة العربية من اليابان أو غيرها. فشفاء الثقافة العربية يأتي أولا بالاعتراف بالخطأ ثم العمل على تجاوزه. طبعا في تلك الأثناء سيقف المنتفعون من استمرار خلل الثقافة والفكر بالمرصاد لكل من يحاول تغيير الحال العربي. الاتهامات جاهزة والنعوت معدة مسبقا منذ أن استخدمت الزندقة لتصفية الخصوم إلى أن صارت العلمانية والتبعية والتواطؤ تهما معدة للإجهاز على الأصوات المعارضة.