حاول العرب مع إيران طويلاً. أن يجذبوها لتكون صديقة لهم على الأقل. يذكر الأمير بندر بن سلطان رئيس الاستخبارات السعودية في لقاء معه ضمن فيلم وثائقي أن الملك فهد كان يريد من إيران فقط كف الأذى. ليس طموحاً للعرب أن تكون إيران ضمن مصالحهم لأن إيران تنطلق من جذور تاريخية وتريد أن تكون امبراطورية تَأْمُر ولا تُؤْمَر، وتكون هي المدبر الرئيسي لكل صغيرة وكبيرة في العالم العربي. وإيران ليست سباقة للتعامل مع العرب بلباقة، بل تدعم الحركات الانفصالية، من العراق إلى لبنان عبر حزب الله إلى منطقة الخليج، هي لا تدعم الحقوق بل تدعم أي أمر يعزز من الاضطراب الداخلي لهذه الدولة أو تلك. إيران انفتحت شهيتها لابتلاع تونس ومصر وليبيا، وهي تود أن يكون لها موطئ قدم بهذه الدول، والزيارات السياسية القادمة للساسة في تلك الدول ستوضح إن كانت إيران تريد أن تبسط هيمنتها أم لا. والنظم الجديدة في تلك الدول متعطشة لأن تكون "مختلفة" عن الأنظمة التي سبقتها، وهذا ليس بسبب الإنجاز وإنما فقط للاختلاف الأعمى حتى وإن كان اختلافاً من دون سبب. وإذا عدنا إلى تاريخ الحركات الإسلامية المسلحة وغير المسلحة التي تشترك في الطموح السياسي سنجد أن إيران كانت ولا تزال هي الداعمة الرئيسية لهم والداعمة الأولى لهم والمنافحة عنهم أيام تلك الأنظمة من القذافي إلى زين العابدين بن علي إلى حسني مبارك. المشكلة السورية الآن تحاول إيران أن تحسمها لصالح النظام حتى لو قتل مئة ألف بل ولو قتل مليون سوري مقابل بقاء نفوذها. لأن سوريا هي بوابة إيران على العرب وحين تغلق ستكون كارثة بوجه إيران وستسبب عزلة لحزب الله. الغريب أن إيران وإسرائيل تتفقان على بقاء الأسد. إيران ستكسب بقاءها في العالم العربي، وإسرائيل ستكسب أمن الجولان. إيران وإسرائيل تتفقان على ضرورة بقاء الأسد، وحزب الله هو المنفذ لهذا البقاء عبر كوادره في سوريا والذين يقومون بعمليات تدريب وقتال في الجهات ضد الثوار. إيران تدعم حزب الله وإسرائيل تحارب حزب الله وكل هذه الأضلاع الثلاثة مع بقاء النظام السوري.. اكتشف اللعبة! تحاول إيران أن تكون متجمّدة في موقفها من الثورة السورية، ولعل آخر الحلول تقريباً كان في إشعال لبنان. مسكين هذا اللبنان دائماً يكون موضع الصراع، ودائماً يكون ميداناً لحروب الآخرين، وهكذا تفعل إيران ويفعل النظام السوري. أشعلوا لبنان، بالحرائق، بغزوة جديدة لبيروت، بإلغاء السياحة، باختطاف الخليجيين، بتأجيج الفتنة بين الطوائف، بإشعال الصراع في طرابلس، هكذا هي الحالة في لبنان والذي يراد له أن يدخل على خطوط الحرب النارية بين الثوار السوريين وبين النظام السوري وإيران تحب الفرجة على مآسي العرب. التحدي الآن أمام إيران أن تكون في حالها، وإذا ما أصرت على التمدد خارج حدودها فإن الصراع سيحتدم وإيران ستدفع الثمن، إيران دخلت حرباً ضد العراق وخسرت الكثير ولم تربح شيئاً، وتدخل حروباً باردة مع الخليج وغير الخليج ثم لا تجني إلا الرماد، وهي الآن تحاول ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً أن تحمي النظام الذي يخاف رئيسه من إكمال صلاة العيد ليخرج كاللديغ خائفاً! كيف تدافع عن نظام انتهى ولم يعد لديه غير صلاحية القتل؟! على إيران أن تهتم بالبطالة والانهيار الذي يغزو الخدمات الحكومية في داخلها وبالفساد وبالفقر المنتشر بدلاً من تبديد الثروات على الرؤوس النووية والتخصيب لليورانيوم بغية الاستعداد لعدو أصلاً هو غير موجود، فالعرب ليسوا أعداء إيران بل يريدون من إيران ألا تضرهم فقط. هكذا ببساطة.