لو قمنا بفحص تاريخ أهل الثراء في بلادنا لوجدنا القلة فقط هم الذين سعوا في مناكبها وباعوا واشتروا وخسروا وربحوا وأفلسوا. والكثرة هم ممن أخذت بيدهم الفورة المالية والعقار وتجارته ومنّ الله عليهم بالتوفيق. ومرّ عقد من الزمن كانت تجارة الأراضي والمخططات والمساهمات والتعويضات حراكا محوريا اقتصاديا واجتماعيا. ولدى البعض ممن أثروا القدرة الخارقة على الحضور للمجالس (يقعدون مقاعد للسمع). وتجدهم أول من يشتري أو يبيع أو يساهم، بناء على تحليله لكلمة أو أكثر قالها فلان. دعونا نقل إن أهل السعة – أو نسبة كبيرة منهم – الحاليين جاؤوا من رحم المضاربات العقارية أيام المساهمات، لا لشيء إلا لما تعلموه وطبقوه، بجزافية ومغامرة أقل. ورأينا كيف أن مضاربات المساهمات العقارية كانت أرحم من نزعة الدخول غير المدروس في حركة الأسهم، حيث الأخيرة أدخلت الناس أمام إغراءات الكسب على بيع ممتلكاتهم الأساسية، والاندفاع إلى التسهيلات المصرفية لشراء أسهم شركات ما لبثت أن تداعت وجرّت العمليات لا إلى إفلاس بل إلى البؤس نتيجة تفاقم الديون التي عانى منها أفراد من المجتمع السعودي. في حين أن المضاربات العقارية، والعمولات (الدلالة) نجحت لفترة لأن الأسلوب يتم بطريقة "تسليم المفتاح" وخلفه قوى لا تظهر دائما على السطح، ولا تريد إلا مصالحها فقط. ومن طرائف تاريخنا التجاري أنه في الخمسينيات من القرن الميلادي شاعت بين العامة فكرة أن ارتفاع أثمان الأراضي والتنافس على حيازتها كان بسبب مُعتقد أن هذا هو "الكيمياء" الذي يستنبط من الطين والحجارة العادية دراهما وأموالا تُغني الفقير وتتخمه بالنقد (قلب الطين العادي إلى ذهب وفضة) وكان محسوسا عند أهل "الزار" بحيث يقلب الطينة إلى قطعة بخور غالية الثمن طيبة الرائحة، يمكن للراغب أن "يتطيّب"! بها. ويبنون خيالاتهم تلك على السؤال: كيف أن قطعة أرض، لا ماء حولها ولا شجر ترتفع من 8 هللات للمتر إلى 500 ريال. ودعم هذا الاعتقاد السحري أن "الأرض كيمياء" وأن ما يدور في الوسط العقاري هو نوع من صناعة السحرة.