كان المقال السابق بهذا العنوان ولكنه تركز على أمرين مهمين أولهما المقارنة بين تعامل موظفي القطاع الخاص وموظي القطاع الحكومي وهو أمر واقعي ومشاهد، وثانيهما بيان أسباب ذلك. وفي هذا المقال نتمم الكلام على هذا الموضوع وأقترح سبعة علاجات تناقشت فيها مع طلاب كلية المجتمع وفقهم الله وهي: أولاً: التأهيل الكامل لموظفي الحكومة من خلال الدورات التدريبية واللقاءات الخاصة والجولات التعريفية ونحو ذلك، ولا شك أن هذا يتطلب جهداً متميزاً ولجاناً خاصة وفرق عمل متمرسة على التأهيل وتضم كوادر من قطاعات وتخصصات مختلفة مثل أن تشكل في كل وزارة لجنة أو هيئة للتطوير والتأهيل المبدئي تضم مختصاً في النظام ومعرفة اللوائح ومختصاً نفسياً واجتماعياً وتربوياً وهكذا حسبما تتطلبه حاجة المنظمة أو المؤسسة. ولا بد من التركيز على الموظف في ذلك واجتيازه الاختبار اللازم بحيث يستوعب 60٪ على الأقل مما سيتولَّى مهامه في المستقبل القريب، وأقترح عدم تحديد وقت معيَّن للتدريب بل يكون مفتوحاً ومحدوداً بآخر المدة التي تكون مثلاً أربعة أشهر، فلا تحدد دورة مدتها ثلاثة أسابيع ثم بعدها الاختبار والتعيين بل يُرجع في ذلك إلى تمكن المتدرب مما تعلمه. إن التأهيل والتدريب مطلب ضروري في كل ما من شأنه تسنم المصالح العامة ورعاية حقوق المجتمع وذلك بلا شك خير من كوننا نترك الموظف يتعلّم بنفسه ويسأل عمّا يريد بخجل، وربما لا يسأل فيختلط عليه الحابل بالنابل. ثانياً: إيجاد مبدأ التحفيز المادي والمعنوي للموظف الحكومي. أما المادي فهو أسرع وأكثر تأثيراً من غيره ويبرد هذا التكريم والتحفيز إذا تأخرت مستحقات الموظفين التكريمية والتشجيعية بتأخر العملية الإدارية، إن حلاوة المكافأة تكمن في سرعتها أو مفاجأتها أحياناً، مسكين ذلك الموظف الذي يعمل جاهداً وربما اضطر لخارج الدوام ثم ينتظر الشهرين والثلاثة حتى ينال مكافأته، إذن نحتاج لعلاج مشكلة إدارية لإصلاح ضعف وعجز إداري آخر. هناك مكافآت مادية لا تكلف شيئاً ولا تحتاج لوقت كثير لا نراها موجودة في كثير من الدوائر الحكومية مثل شهادات الشكر العرفان التي تعطى في وقتها المناسب ويكون لها اعتبار بعد ذلك في الترقيات وغيرها. يجب علينا جميعاً مديري ورؤساء ومشرفي أقسام وكل مصلح إداري أن نختلق أفكاراً للتحفيز المادي ليست موجودة ومن القصور أن نجمد على الواقع ونحوم حول ذواتنا، فكلما قيل لنا: مكافأة مادية قفزت إلى أذهاننا الريالات الفانية والمستهلكة لاحتياجات إضافية. نحتاج لإبداع سريع يولِّد لنا إبداعات كثيرة متعددة تنهض بمستوى الإدارة والسلوك والأخلاق بشكل عام. أما عن المحفزات المعنوية فهي أقل من المادية على ندرة الثانية، إن من الناس من تمتلكه الكلمة الساحرة، ويأسره الشكر المستمر البناء، ويدفعه للتقدم الثناء العام أمام جميع الموظفين، كل ذلك سهل ومعروف وأعيد وأكرر هنا في التحفيز المعنوي أننا نحتاج إلى أفكار جديدة في ذلك، فالعقول مليئة والأفكار متكدسة تحت الغبار، ولكن أين المبادر. ثالثاً: ممااقترحه الإخوة الشباب في الكلية تكثيف الرقابة وتنويعها ولك أن تتعجب كيف عرف هؤلاء الذين لا يزالون في مقتبل العمر وكثير منهم لم يتوظف كيف عرف ضعف الرقابة عندنا في عملنا الرسمي، إن هذا يدل دلالة واضحة على ظهور التسيب والتلاعب، غاية ما تصل إليه رقابة بعض الإدارات قراءة التقارير المكتوبة من الموظف نفسه، فهل سيكتب شيئاً يضُّره أو يسيء لسمعته؟! إن الرقابة البدائية لا تحل المشكلة بشكل دائم وتقطع دابر الفساد الإداري .. لماذا؟ لأننا حين نرسل موظفين من مكتب المدير العام ليحضِّر الموظفين ويتأكد من انضباطهم بأعمالهم فإننا نعالج المشكلة في نفس مستواها!!! إذا أردنا حلاً لمشكلة ما مثل مشكلة تأخر الموظفين بعد الصلاة فإننا نحتاج أسلوباً أعلى من مستوى المشكلة وذلك بأن نخاطب ضمير كل موظف يبدر منه ذلك ونقول له: إن صلاتك التي تزعم أنها تؤخرك هي ذاتها تأمرك بالجد والاجتهاد في عملك وإخلاصك في التفاني فيه... وهكذا، إن هذا الأسلوب من الرقابة وحل المشكلات يضمن لنا حلاً لمشاكل أخرى في نفس مستوى مشكلتنا الأساس. رابعاً: إعطاء صلاحيات أكثر للرؤساء في الوظائف الحكومية، وهذه نص عبارة إخواني طلاب كلية المجتمع، ولعلنا هنا نلحظ شيئاً من الرغبة لديهم وتطلعاً لمستقبل أكثر انضباطاً مما يحدث الآن. بما أن الثقة هي المبدأ المنتهي من تولية كثير من المناصب والتعيينات لدينا، فلنزدها ثقة أخرى معقولة ليحاول المدير - على الأقل - السيطرة على كثير من تجاوزات الموظفين التي لا يحكمها نظام صريح. خامساً: بيان الأنظمة واللوائح لجميع الموظفين. وأزيد على مجرد البيان إيجاب ذلك، وفرضه على كل موظف ولو كان متعاقداً معه لأشهر قليلة، إنني شاهدت مديري ورؤساء وعمداء كليات لا يعرفون النظام، وحدث ولا حرج عن التجاوزات التي تعقب ذلك وإذا ناقشت بعضهم قال لك: هذا عُرف جرى عليه عمل الدوائر الحكومية من زمان، فماذا تتوقع أخي القارئ من هذا المدير الفقيه الذي جعل العرف مصدر تشريع الأنظمة لديه. سادساً: الإكثار من الزيارات المفاجئة، وهذه لعلها داخلة ضمن العلاج الثالثة وهو تكثيف الرقابة وتفعيلها، ولا أعوِّل على هذه - السادسة - كثيراً. سابعاً: وضع العقوبات الرادعة للمخالفات المنتشرة بين موظفي الدوائر الحكومية. من ذلك:1 - التوقف المباشر عن العمل فور سماع الأذان لصلاة الظهر، مع أن بعض المراجعين ينتظر قبل الأذان بفترة طويلة، وهذا حصل لي قبل ساعات من كتابة هذا المقال. 2- التأخر المستمر عن موعد الدوام الرسمي. 3- الكذب في كثير من التعاملات، فهذا يأخذ إجازة اضطرارية ليتعبد الله بعمرة!!!، وثان يلفق الأعذار لتبرير غيابه، وثالث يضخم مشكلته ليسمح له مسؤوله بالخروج، ورابع وخامس، وأعيد هذا وأكرر أننا ينبغي علينا دائماً أن نحاول حل مشكلاتنا في مستوى أعلى من مستوى المشكلة ذاتها. اللهم وفق بلادي لكل خير، وأصلح أحوالها بصلاح أبنائها!