لا تزال النبتة تثري المكان.. ويفيض بها دفئاً.. لا يرتبط ثراؤها بتلون يوميات من عبروا بجانبها.. أو صهرتهم ظروفهم القاسية ودفعتهم لمقاطعة الحياة. لديها طاقة لا يمكن أن تجدها في نبتة أخرى مهما حاولت أن تحاكي كل الأشياء القريبة والبعيدة.. ظلت كما هي ثرية.. فائضة بالحب... مبهجة بشمولية... لم يلحظ أحدهم يوماً أن زهور هذه النبتة قد نفقت.. كانت في يوم من الأيام تتنفس عبير زهورها.. لكن غاب هذا العبير.. نفقت الزهور.. من أجل أن يُشاع جمالها.. ظلت دون زهورها صامدة.. تتابع أعين الآخرين المتعجبة.... القدرة على مواجهة الغياب هي من يخلق فرص البقاء.. ويزيد منها.. مفتاح الحياة استطاعت الوصول إليه وهو الثبات.. أدركت ما تريد... وتعثرت.. وعانت.. لم (يبتلعها) يبتلعها.. الوجع.. الذي ظل يعتمل داخلها بمرارة ولم تكرس احساس الانكفاء داخل نفسها.. لتعثر على مساحة آمنة تختبئ فيها.. وتستكين داخلها، ولم يرهقها البحث عن رؤية تخصها لتغلق على ما مضى، ولم تؤمن ابداً بنار اللحظة الحارقة التي اشعلت كل شيء وغيرت كل الصور وبدأت بتجريد النبتة من زهورها. اعتبرت كل ما جرى من الماضي وهي الآن ليست من الماضي لن ترضخ لتأثره.. أو هيمنته التي يسعى إليها ولن يكون لها الفضاء الداخلي.. والخارجي ولن تكون الزهور التي نفقت هي مفتاح إغلاق باب الحياة ولن تحمل هذا الهم طويلاً أو تظل تتكئ عليه وتختزله وكأنه دماء تتدفق في أوردتها، ستستمع إلى البحر وهو يعلم الصبر وإلى تلك الأخيلة والرؤى التي ستمنحها الرؤية حتى في المناطق المعتمة وستظل على علاقة بذلك المدى الواسع والدرب المفتوح الذي به مسار العودة والأسئلة التي من المؤكد أن لها اجابات غنية إن لم تكن الآن.. فستكون قريباً.. قدرتها الكبيرة على الامتنان لهذا النفوق وصمتها كعلامة قوة ورضا وأمل وترقب يشعرها بأنها قد تخلصت من مفارقات الماضي ومن تلك الأسئلة العقيمة التي لا تستند إلا إلى تعريف الماضي وغلق أبواب المستقبل ستنبت الأزهار مرة أخرى كواقع ايجابي وليس حسب الظروف والمعطيات التي قد يحققها الزمن وسيفيض المكان بالحب.. والأمل ولكن هذا لن يمنع من أرثوا صك مقاطعة المستقبل من الشهادة بأن ما يحصل هو من المستحيل ومن غير المعقول...