يقول المثل العالمي الدارج صورة تكفي عن ألف كلمة، وأنا أقول رسم بياني واحد جيد يكفي عن قراءة كتاب كامل ويمكن الخروج منه بكتابة مواضيع متنوعة وجيدة وموثقة ودقيقة. الرسم البياني المعبّر الذي سأتحدث عنه اليوم هو من إعداد إدارة معلومات الطاقة الأمريكية EIA استنادا الى المعلومات غير المسبوقة الواردة لأول مرة في التقرير الشامل عن احتياطيات البترول في العالم، الصادر من مصلحة المساحة الأمريكية USGS عام 2000. لقد اشتهر التقرير وأصبح مرجعا أساسيا لكتابة بحوث ومقالات ورسوم بيانية لا تعد ولا تحصى، كل بحث أو مقال أو رسم بياني يعكس وجهة نظر كاتبه وفقا لميوله الشخصية وسعة خياله ومهارته في نقل الصورة وفهمه لأسواق البترول. أنا بدوري سأحاول أن أقرأ الرسم البياني الصادر من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية وأخرج منه بموضوع زاوية اليوم بطريقتي الخاصة التي قد تختلف عن وجهة نظر بعض المنظرين الآخرين. الرسم البياني المذكور يرسم ثلاثة سيناريوهات لمسار إنتاج (أي نضوب) البترول التقليدي في العالم. كل واحد من هذه السيناريوهات الثلاثة يختلف عن الاثنين الآخرين فقط بتقدير مقدار كمية البترول النهائية Ultimate recovery التي يمكن للإنسان استخراجها من بطن الأرض. التقديرات الثلاثة للكمية الكلية النهائية من البترول التقليدي التي قد يستطيع الإنسان أن يستخرجها من بطن الأرض (وفقا لتقرير مصلحة مساحة الطاقة الأمريكية) كالتالي: أولا: 2242 مليار برميل باحتمال مؤكد قدره 95%. ثانيا: 3003 مليار برميل باحتمال مؤكد قدره 50%. ثالثا: 3893 مليار برميل باحتمال مؤكد قدره 5%. يقول الرسم البياني إنه إذا استمر استخراج البترول على وضعه الحالي ينمو بمعدل سنوي قدره 2% فإنه سيحدث التالي: أولا: وفقا للسيناريو الأول سيصل إنتاج البترول الذروة بإنتاج قدره 112 مليون برميل في اليوم عام 2026 ثم ينخفض بشكل حاد إلى أن يقارب الصفر (ينضب) عام 2050 (أي بعد 38 سنة). ثانيا: وفقا للسيناريو الثاني سيصل إنتاج البترول الذروة بإنتاج قدره 142 مليون برميل في اليوم عام 2037 ثم ينخفض بشكل حاد إلى الصفر (ينضب) عام 2075 (أي بعد 63 سنة). ثالثا: وفقا للسيناريو الثالث سيصل إنتاج البترول الذروة بإنتاج قدره 175 مليون برميل في اليوم عام 2047 ثم ينخفض بشكل حاد إلى الصفر (ينضب) عام 2100 (أي بعد 88 سنة). هذه السيناريوهات الثلاثة لنضوب البترول المستندة على أرقام الدراسة التي نشرتها مصلحة المسح الجيولوجي الأمريكية في شهر ابريل عام 2000 تعتبر أشمل وأشهر (وربما أكثر دقة) من أرقام أي دراسة منشورة أخرى عن احتياطيات البترول في العالم. أنا سأحتفظ بتعليقي الشخصي إلى السبت القادم وأكتفي الآن بأن أشير بأنه رغم أن التقرير يحظى باحترام كبير بين المختصين بشؤون الطاقة إلا أنه لم يسلم من الانتقادات الحادة لا سيما من ASPO (جماعة دراسة ذروة البترول) بأنه يبالغ في تقديراته ويستشهدون بدراسات تستحق الاحترام أيضا. موضوع زاوية سبت الأسبوع القادم - إن شاء الله - سيتناول وجهة نظري الشخصية لتفسير مضمون الرسم البياني المذكور وسيناريوهاته المختلفة الثلاثة.