يعد الاعلام أحد أهم مصادر التنشئة الاجتماعية والتنمية البشرية والاقتصادية، فهو من وسائل الرقي والازدهار بالمفهوم القيمي، فالثورة المعاصرة في تكنولوجيا الاتصال أحدثت طفرة هائلة في عالم الاتصال وكل يوم هي في ازدياد، بحيث اصبح التعرض لوسائل الاتصالات - والفضائيات من ابرزها - جزءا من نسيج الحياة اليومية للفرد بما يمكن ان يحدثه هذا من آثار تتصل بإدراكه واتجاهاته وقيمه. والاعلام يؤدي دوراً في تغيير القيم حيث يتفق علماء الاجتماع والاتصال على ان أي تغيير اجتماعي مقصود في المجتمع لا بد ان يصل إلى الناس عبر وسائل الاعلام، إذ يستحيل ان يتم تغيير في المجتمع من دون استخدام وسائل الاعلام التي تعد من الادوات المهمة في مخاطبة الناس والتأثير فيهم من خلال تغيير المفاهيم وانماط السلوك وتثبيت القيم المرغوب فيها وتدعيمها. لقد اصبح الاعلام بما له من سطوة قادراً على بناء قيم وترسيخها كقدرته على الهدم وإبدال القيم، وذلك لما له من وسائل حديثة ومتطورة لها القدرة والاستطاعة في التأثير على المتلقي وتزداد قوة التأثير كل ما كان المستهدف صغير السن لقابليته للايحاء والتقليد. مادفعني للتذكير بأهمية الاعلام هو ما شاهدته في مسلسل (واي فاي) الذي يعرض هذه الايام في تلفزيون mbc والذي يتكون في الحلقة الواحدة من عدة مقاطع منها مقطع ثابت تكرر عرضه في الحلقات الماضية التي شاهدتها، يقوم فيه الممثل (الحبيب) ومعه ممثل آخر بدور متعاطي للمخدرات في وكر للتعاطي وبينهم وسائل التعاطي ويصورهم المشهد وهما في غاية السعادة والانبساط يطلقان النكات فيما بينهم!! ان عرض هذا المشهد بشكل واضح من دون مواربة وتكراره في كل مرة بنكتة جديدة توحي للنشء والمتلقي ان المخدرات مصدر سعادة والهام وانها ومن خلالها يصبح الشاب له القدرة على المرح والترفيه وكسب الرفاق وهذا ما يطمح له المراهقون. إن التعرض المستمر للواقع المحرف ومنها مثل تلك المشاهد يؤثر في النشء ويؤدي به إلى إحداث قناعات جديدة من خلال غرس اتجاهات وقيم متضمنة في البرامج المشاهدة والتي تحقق اشباعاً لحاجات المتلقي النفسية والاجتماعية، وتكمن خطورة مثل هذه السلوكيات أنها تصدر من فنانين هم بمثابة القدوة لبعض النشء، فهم يحاولون تقليدهم بكل شئ من ملبس ومشرب وحتى طريقة حديث. انهم وللأسف بهذه المشاهد يهدمون ما تقوم به الدولة والمجتمع من سنوات كثيرة في محاربة هذه الآفة. ان مكافحة المخدرات لا تقوم على مكافحة العرض فقط الذي هو مناط بأجهزة الدولة، وانما تقوم على مكافحة الطلب عليها وهو جانب مهم واكثر أهمية من مطاردة المروجين والمهربين والقبض عليهم، فمتى ما قل الطلب على المخدرات انخفض عرض المخدرات وتهريبها، ان مكافحة الطلب يقع على عاتق الدولة أيضاً والمجتمع، والاخير يتحمل العبء الاكبر منه من خلال مؤسساته المختلفة بدأ بالاسرة والمسجد والمدرسة وعلى الاعلام وخاصة المرئي منه، متى ما قام بدوره مسئولية كبيرة من خلال توعية وإرشاد النشء عن خطورة المخدرات والتنفير منها بكافة السبل، ومنها عرض المشاهد التمثيلية التي توضح خطورتها على الفرد والمجتمع. وهذا ما لم نشاهده في العرض السابق بل وجدنا دعاية لتعاطي المخدر لا للتنفير منه وتبيان خطورته. ان للفن رسالة سامية متى ما حاد عنها اصبح معول هدم للقيم لا بناء لها، وما دور الفن اذ لم يكن في خدمة المجتمع اما ان نعرضه لمجرد الضحك والسخرية من الآخرين والاستهزاء بهم وبعث الرسائل الصريحة لتعاطي المخدر فهذا ابعد ما يكون من الرسالة السامية للفن والاعلام. انني اتساءل هل يعي القائمون على المسلسل من قناة محسوبة علينا ومنتجين واخراج وممثلين من بني جلدتنا، الاثر الذي قد يحدثه مثل تلك المشاهد في النشء، ان كان لا يعلمون اثرها فتلك مصيبة وان كانوا يعلمون فتلك وربي خيانة للدولة والوطن والمجتمع وليست مصيبة عظمى فقط. * مدير مركز الدراسات والبحوث في المديرية العامة لمكافحة المخدرات