جاءني وهموم الدنيا تلوح على وجهه، لم يكن يريد أن يتحدث حول همومه معي، ولكنني استدرجته لكي ازيح ما يثقل على صدره، وما يجعله حزيناً محطم النفس والمظهر والسلوك. وفي لحظة من الانتظار رأيت الكلمات تخرج متقطعة متحشرجة من صدره، وهو يشكو لي بعض همومه، ولكن أكبر همومه كانت عن إصابة زوجته بالسرطان، الذي جعلها فريسة لهذا الداء العضال، وهي لا زالت في العقد الرابع من عمرها. وسارعت إلى التخفيف عنه وطمأنته بأن الله سوف يشفيها، وأن مرضها هذا يمكن أن يشفى بفضل الله أولاً، ثم بتطور الطب والتقنيات الطبية والمعالجة بواسطة العلاج الكيميائي وغيره من العلاجات المتطورة. وبعد فترة أخرى رأيته وهو أكثر هموماً وضجراً من الحياة، وسألته : لماذا عدت وأنت أكثر هماً وحزناً مما كنت في السابق؟ ورد علي قائلا: وماذا تريدني أن أقول لك، وقد أخبرني الأطباء بأنني مصاب أيضاً بمرض السرطان، بالإضافة إلى أن كثيراً من المعارف والأصدقاء قد انصرفوا عني !! لقد ابتعد الناس عني وعن صحبتي لأنني لم أعد أستقبلهم في منزلي مثلما كنت أفعل قبل مرض زوجتي أو مرضي. قلت: وماذا عن العلاج لك ولزوجتك؟ قال: إنني أتعالج حالياً علاجاً مكثفاً، ولكنني يائس من الحياة!! قلت: لا تيأس ياصاحبي فإن الله قادر على شفائك أنت وزوجتك، فادعُه في السر والعلن.. واستمع إلى ما قاله الشاعر: إذا ابتليت فثق بالله وارض به إن الذي يكشف البلوى هو اللهُ إذا قضى الله فاستسلم لقدرته ما لأمرئ حيلةٌ فيما قضى اللهُ اليأس يقطع أحياناً بصاحبه لاتيأسن فنعم القادر اللهُ والقرآن الكريم يزرع في نفوسنا روح الأمل والتفاؤل (لا تقنطوا من رحمة الله) الزمر :53 ويقول الشاعر أيضاً: ولاتيأسنْ من صنع ربك إنه ضمين بأن الله سوف يُديلُ فإن الليالي إذ يزول نعيمها تبشر أن النائبات تزولُ ألم تر أن الليل بعد ظلامه عليه لأسفار الصباح دليلُ