مع قدوم كل رمضان.. تنبعث رائحة الذكريات والعادات القديمة التي ميّزت المجتمع الأصيل في "المدينةالمنورة".. يعود وينبش ذاكرة الأجيال لاستحضار صور الماضي الجميل التي غاب معظمها عن الحضور وتحول إلى تراث أو تاريخ حبيس لأوراق الكتب. عادات وتقاليد تلاشت أدراج الرياح.. مازال الكثيرون يحنون إليها، كما هو حال العم "سعود الجهني" و"حسين أبو قاسم" اللذين باحا بمكنون صدريهما متذكران صوراً لعادات اندثرت ووجبات ذات نكهة خاصة، وعن علاقات طغى عليها الألفة والمحبة والتكافل، ويحنّان إلى الماضي قائلان:"كنا نستقبل شهر رمضان من منتصف شعبان بالذرة المحمصة والحمص واللب واللوز والحلاوة والمشبك واللحم المجفف من (سوق المناخة)، وكذلك المكسرات وكأنها ليالي عيد، وتذهب الأسر عصراً ل(الحرم النبوي)، ويفطرون هناك، ويقرأون (القرآن الكريم)، وتؤدى صلاة المغرب والعشاء، ثم يزور الأطفال العائلات داخل الأحياء ويغنون أهازيج جميلة وهم يحملون الأتاريك -الفوانيس-، فتقدم لهم الأسر الحلوى، ويطيّبون ملابسهم، ويمنحونهم نقوداً احتفاء برمضان". وبيّنا أن "رمضان" يعيد إلى الذاكرة صوراً رائعة ولا تنسى، كأصوات المدافع الرمضانية التي تُطلق من "قلعة قِباء" عند وقت الفطور والسحور طيلة أيام الشهر الفضيل، إضافة إلى الاجتماع في المزارع تحت ظلال النخيل لقراءة القرآن الكريم، واستذكار سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم-. وأضاف "أبو قاسم":"من عادات أمهاتنا في الماضي أنهن يجهزن وجبة الإفطار لجاراتهن المريضات، وكنّ يسعدنّ في تلبية احتياجات بعضهن، فكانت النسوة في الصباح الباكر يجهزن (حب الشربة المدشوش) وهو معروف في المزارع، وكان يخزن طيلة السنة من أجل استخدامه في شهر رمضان نظراً لمذاقه الشهي، وكنّ يحضرن (المهراس) وهو عبارة عن حجر مربع متوسط الحجم، وفي داخله حفرة منحوتة بحرفية عالية لا أعلم حتى اليوم كيف نفذ بهذه الدقة، وعلى الرغم من أن عمره يزيد عن (200) سنة، إلاّ أن نساء الحي يتوارثنه إلى اليوم". وأوضح أن الطهي بواسطة إناء "المهراس"، يتم من خلال وضع "الحب المدشوش" في داخله، وكان له قضيب بطول (40 سم)؛ يستخدم لهرس الحب استعداداً لطهيه، مشيراً إلى أن تلك الأيام جميلة وتكسوها المحبة والمودة إذا تألم فرد تألم معه الجميع، وإذا سَعد شخص فرح من أجله الجميع في شهر يذيب الخصومات بين المتخاصمين كما تذيب الشمس الجليد؛ لتعود القلوب بيضاء كالثلج". 3 -