أوضاع السوق العقارية سيئة نتيجة لتنامي درجة الاحتكار والارتفاعات المستمرة في أسعار قطع الأراضي السكنية. والخيارات المتاحة لامتلاك المسكن الخاص والتخلص من الإيجار تتقلص بشكل سريع إلى المستويات التي أصبحت معها الطبقة المتوسطة غير قادرة على امتلاك مسكنها في ظروف عادية. وتعذر على الطبقة المتوسطة ملاحقة الارتفاعات المستمرة في أسعار قطع الأراضي السكنية، بل اتسعت الفجوة بين مدخرات الطبقة المتوسطة والأسعار إلى مستويات تتطلب أكثر من دورة حياة في بعض المناطق. وبالرغم من ذلك لا يزال مشروع امتلاك السكن قابلاً للتحقيق مع بدء تنفيذ البنى التحتية لمشروع بناء 500 ألف وحدة سكنية في مختلف مناطق المملكة التي أمر بإنشائها خادم الحرمين الشريفين في 13 ربيع الآخر 1432ه، فبمجرد البدء بتوزيع ال 500 ألف وحدة سكنية على المواطنين ستتهاوى أسعار القطع السكنية وسيمتد تأثير ذلك على انخفاضات ملموسة في الإيجارات. وعندها سيكون باستطاعة الذين يتمكنون من إصلاح أوضاعهم المالية خلال السنوات القليلة القادمة وزيادة مدخراتهم إلى مستويات تفوق 30% من قيمة المسكن الذي يرغبون في امتلاكه من الاستفادة من إقرار المنظومة المالية (نظام التمويل العقاري، ونظام مراقبة شركات التمويل، ونظام الإيجار التمويلي، ونظام الرهن العقاري). وفي كل الأحوال، يتعين على الطبقة المتوسطة وضع خطة زمنية لامتلاك المنزل وعدم التسويف أو الاستسلام لعوامل الإحباط والاندفاع غير المبرر نحو الاستهلاك. فكل الطرق المؤدية لامتلاك المسكن - في الأحوال الطبيعية - لابد أن تمر بمرحلة الادخار التي تتطلب الوقت والجهد والتضحيات. وتكاليف امتلاك السكن في أي مجتمع هي الأعلى من بين السلع المعمرة التي تسعى الطبقة المتوسطة لامتلاكها. وهذه التكاليف لايمكن تجزئتها إلا من خلال الاقتراض (التقسيط) أو تجزئة التكاليف إلى امتلاك قطعة أرض سكنية ثم الشروع في بنائها. إلا أن واقع الحال لمعظم الأفراد من الطبقة المتوسطة أنهم غير قادرين على امتلاك قطعة أرض سكنية دون الاستعانة بأحد مصادر التمويل المتاحة، وهذا ما يؤكد حاجتهم لإصلاح أوضاعهم المالية. فنجاح الأفراد من الطبقة المتوسطة في تنمية مدخراتهم سيؤدي إلى تقليل تكاليف التمويل، وبالتالي الاستفادة من المنظومة المالية التي ستساهم في تجزئة التكاليف. وسترتفع بشكل ملحوظ نسبة تملك السعوديين لمساكنهم إذا تمكّنت اللوائح الداخلية للمنظومة المالية من وضع آلية مناسبة لدعم التعاون بين قطاع التمويل (المصرفي وغير المصرفي) وبين صندوق التنمية العقارية. فصندوق التنمية العقارية يواجه عوائق حقيقية للقيام بدوره كأحد أقوى أذرع الحكومة الساعية لرفع نسبة تملك المواطنين لمساكنهم، وأبرز هذه العوائق يتمثل في عدم قدرة معظم المتقدمين على توفير قطع سكنية لرهنها للصندوق نتيجة الارتفاعات الحادة والمستمرة في أسعاره. حتى إن معظم المتقدمين الذين وافق الصندوق على منحهم القرض لم يتقدموا للحصول على القرض. ما يعطي إشارات قوية على أن معظم المتقدمين للصندوق بحاجة إلى قرض آخر لامتلاك قطع سكنية. *مستشار اقتصادي