يمثل محمد حسن عواد أحد الأسماء الريادية في ثقافة الجزيرة العربية سواء في العهد الهاشمي (1916-1925) والسعودي (منذ عام 1932)، فهو ترك لنا "مدونته الثقافية" منطوية على مجموعة من النصوص الأدبية ( الشعر والسرد)، والعلمية( النقدية والفكرية والبحثية) شكلت قيمته وأثره، وأنجز أكثر من دور في التعليم والصحافة والثقافة يوافق موهبته وقدراته وكفاءته، ومتطلبات مرحلة المؤامرة والفراغ السياسيين وصراع الأمم من أجل المستقبل دون آمال الشعوب وطموحاتها، وهو يمثله عواد لكونه أحد أبناء إقليم الحجاز العائشين في الربع الأول من القرن العشرين الذي يعد منطلقاً لقراءة وفهم شخصية وإنتاج عواد. إن ما أطلق شرارة محمد حسن عواد هي روحه الوثابة والحدة الذهنية في سن صغيرة حين وضع نصوص أول كتبه "خواطر مصرَّحة"(1925) ليعد كتاباً في النقد الثقافي المتشابك مع الاجتماعي والسياسي والأدبي حين أثار نقمة عليه، وأحيل إلى التحقيق بعد تأليب استهدفه شخصياً، وفصل من العمل، وأضرب تلاميذه في مدرسة الفلاح تضامناً معه غير أنه سجل موقفاً ورسم خطه المستقبلي. وإذا عدنا إلى ما يؤسس قاعدة مفاهيمية لمرجعيات عواد الذهنية تنتسب إلى حدث تحويليين: فالأول الثورة العربية 1915 التي أطلقت الدعوة إلى القومية العربية، والاتحاد العربي، ومحاربة الاستعمار العثماني والأوروبي، والثاني عصر الصناعة والتقنية الذي أدى إلى تنامي التيار المادي، والذهنية التحررية، والنزعة الفردية. لم يكن عواد غير صادق حين وصف محتوى كتابه "مقالات ثائرة في النقد والأدب والاجتماع"، طارقاً بعنف على خشب من الظلام الاجتماعي، والتخلف السياسي، والفساد الثقافي طارحاً تلك الأسئلة الحادة واضعاً تلك الاقتراحات الجديدة تحت توظيف عدة كتابية متنوعة بين الشعر والسرد والمقال التقريري والتمثيلي. ومن بين تلك النصوص النقدية والأدبية والاجتماعية وضع نص من الشعر المنثور بعنوان" بريشة الفن – الليل"، وهو ما يدفع الاحتمال نحو أقصاه مع الأخذ بالاعتبار أنه خيار، برغم أن تلك الفترة تعرض جيله لتضييق حتى أن الصحافة لم تفتح لهم أذرعتها، فلم يكن هناك صفحات خاصة بالثقافة، وأقول - يكشف هذا الخيار التعبير الأدق عن تعدد الأدوار في شخصية عواد بوصفه مثقفاً بين المعلم والناقد والمفكر والشاعر التي لازمته طيلة حياته الثقافية. من حالة الأديب إلى زمن الأستاذ رغم أنه نال لقب"الأستاذ" التي زاحمه عليها بعده، على مستوى الصحافة والصالونات والأندية الثقافية الحجازية، الناقد عبد الله عبد الجبار الذي يعد أستاذ جيل على المستوى التعليمي والثقافي والإنتاج النقدي فقط، فإن عواد نفسه نال الأستاذية عن جدارة التحول من "أديب" التي تتضمن كل متمكن من علوم اللغة والأدب والتاريخ والاجتماع نحو مصطلح "مثقف"، وهو بها يتجاوز التطلع نحو لقب أكاديمي "دكتور" ، المنحصر بغير الشهادة العلمية إلى العامل في النطاق الأكاديمي ( التعليم العالي)، واستبقاء لقب "الأستاذ" يؤكد جدارة ثقافية في الكتابة والتفكير والتميز في الإنتاج الثقافي ( الشعر والنقد والفكر)، وحين نضعه بين مجايليه تتضح الصورة بشكل أكبر رغم اشتراك بعضهم معه العمل في الصحافة والكتابة الإبداعية والنقدية مثل أحمد سباعي (ترك رواية وسيرة وقصصاً ودراسات) وحمزة شحاته(ترك محاضرة فلسفية وتأملات وشعراً غير مجموع) وحسين سرحان ( ترك شعراً ومقالات) وعزيز ضياء ( ترك مسرحية ورواية وترجمات ومقالات) غير أنه يتجاوزهم إلى قصدية التكريس عبر بناء وفعالية شخصية "المثقف" سواء في دور التعليمي والصحافي والثقافي الذي انعكس على ذهنية منظمة وطموحة تتجلى أولى صورها تنظيم وإعداد مخطوطات أعماله قبل صدورها. فهو أصدر أول كتبه "خواطر مصرحة"(1925) ثم نظم صدور أعماله الشعرية والنقدية منذ مطلع الخمسينيات، فأصدر ضمن سلسلة الأعمال النقدية"تأملات في الأدب والحياة" (1954) يعرفه بأبحاث ومطالب أدبية ونظرات في النفس والمجتمع وهي مقالات كتبها بين عامي 1931-1935، وأطلق سلسلة الأعمال الشعرية بداية بديوانه" آماس وأطلاس" (1953) الذي احتوى شعر الصبا والشباب بين سن الحادية عشرة والعشرين. وقد أشار آخر كتابه النقدي الثاني " تأملات في .." إلى مخطوطات عدة يعمل عليها بعضها لم يصدر، مشاريع غير مكتملة لكنها شغلته، فهو يشير إلى كتاب نقدي ثالث "من وحي الحياة العامة"، ومخطوط سليمان بن عبد الملك الأموي الذي صدر بعنوان"محرر الرقيق"(1976)، ورحلة إلى نجد (وسط الجزيرة) والقنفذة (مدينة جنوب الجزيرة)، وقاموس"المحتقب" للجيب والحقيبة، ونصوص سردية بعناوين عدة "موعد إنسان، وطريق الخلود، ولميس وهلدا" صدرت الأخيرتين في كتاب"تأملات في ..". وقد وضع في آخر الكتاب نفسه، عناوين مخطوطات معدة للطبع بعضها تغيرت عناوينه عند الصدور مثل قائمة دواوينه الشعرية حسب مراحله العمرية" أشعة الشروق" (11- 20 عاماً) الذي صدر بعنوان "آماس وأطلاس" (1952)، و"الأصابيح" (21-30 عاماً) الذي صدر بعنوان" نحو كيان جديد"، و"الآراد"(33-40 عاماً ) الذي صدر بعنوان" في الأفق الملتهب" (1960)، و"الأوهاج" ( ما بعد الأربعين عاماً) ثم وضع تقسيماً آخر "قوائم النسر" ( قصائد شهيرة)، و"خوافي النسر" (أبيات في الحكمة والأمثال)، و"مخالب النسر"(قصائد المعارك الشعرية). وسنرى الأمر يتكرر بين المطبوع والمخطوط في آخر ديوان"قمم الأولمب"(1976) حيث وضع قائمة أعماله النقدية المطبوعة منذ "خواطر مصرحة"(1926) حتى "الطريق إلى موسيقى الشعر الخارجية"(1976)، ومنذ ديوانه "آماس وأطلاس"(1952) حتى "رؤى أبولون " (1957) وأردف القائمتين بأعمال قيد الصدور طبعة ثانية وهما ديوانه" الساحر العظيم" و"محرر الرقيق"، والمخطوطات الجديدة ديوانه"آفاق الأولمب" و"أوحاء من الإنسان والطبيعة"، والنقدية " المنتجع الفسيح"(صدر عن نادي جدة الأدبي،1977) الذي عرفه بتجريد وتجديد لبحث نشره في كتابه الأول "خواطر مصرحة" وكان بعنوان"بلادنا في القرن العشرين الهجري"، وأعاد وضع عنوان قصته الطويلة "طريق الخلود" غير المكتملة، ودراسة "إيديولوجيا المواريث"، وخلاصة "الإلياذة". وبمجمل ما أنتج رغم التحولات المخيبة لمثقفي الحجاز، لا المحافظين أو الاتباعيين، بل من "الناشطين والعطوفات" كما يعبر عواد عن الجنسين أو يخصهم بالابتداعيين، حين ظنوا أن في انضمام إقليم الحجاز إلى إقليم نجد، وتشكيل "الدولة العربية السعودية" -حسب تعبيره- "خطوة نحو الاتحاد العربي"-وهذا عنوان قصيدته- فإن النزعات الانفصالية تعاود الظهور والعمل حين لا تتساوى الأعضاء وفعاليتها في اندماجها وصورة هويتها الضامنة لمناعة عن الإحباط واليأس. (يتبع)