لا يخلو كلام الإنسان المسلم شعراً كان أم نثراً من ومضات إيمانية روحية تنبع من أعماق ذاته - من فطرته التي فطره الله عليها - ومن المألوف وجود نصوص شعرية يتجلى فيها هذا الطابع بشكل واضح، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا أن الوازع الديني لا يغيب عن ذهن الشاعر الشعبي عند الشروع في بناء قصيدته .. يبدأ قصيدته بذكرالله سبحانه وتعالى، ويختمها بالصلاة على النبي صل الله عليه وسلم. وبعض القصائد يغلب عليها الطابع الديني بكاملها؛ كقصائد النصح والإرشاد والاستغاثة. وهذا الأسلوب نجده غالباً في النصوص الشعرية القديمة نسبياً . والثقافة الدينية لشاعر اليوم يفترض أن تكون أعمق وأشمل مما كانت عليه لدى شاعر الأمس، نظراً لانتشار العلم والمعرفة بصفة عامة، والعلم الشرعي على وجه الخصوص، ومع هذا بدأنا نفقد هذا الطابع وهذا الأسلوب في أغلب القصائد الشعبية الجديدة. وإن كان بعض الشعراء لا يزال متمسكاً به. نقرأ أبياتاً شعرية تجبرنا أن نقف عندها طويلاً؛ ليس لأنها جاءت متفقة مع الضوابط العامة التي يجب توفرها في القصيدة الجيدة، لكن لكونها - بالإضافة إلى ذلك - تضمنت مضامين تعطي المتلقي الكثير من الطمأنينة وتتفق مع الطريق السليم الذي ينشده كل عقل سليم.. والشعر الشعبي فيه الكثير من ذلك، وهي ميزة يمتاز بها الشعر الجيد الذي تكون له رسالة سامية وهدف نبيل يدركه الشاعر، ويحس به المتلقي الجاد ويستفيد منه. والشعر بدون رسالة يبقى في دائرة النظم حتى وإن استوفى معاييره المتعارف عليها.. الشاعر الشعبي المعروف بندر بن سرور العتيبي يرحمه الله له قصائد كثيرة يعرفها ويحفظها الكثير من الناس، خاصة الذين لهم اهتمام بالشعر الشعبي الرصين، ولا تخلو التسجيلات الإسلامية في بعض إصداراتها الصوتية من الاستشهاد ببعض أبيات هذا الشاعر لما فيها من صدق التعبير وسمو المعنى، ومن سمعها لا بد أن يقول: صدق هذا الشاعر في قوله هذا.. ومن ذلك قوله ضمن أحدى قصائده : اغبط تقي صار زوده بتقواه عبد ٍ لصوت الحق يرخي سموعه يفرح بصوت منادي الحق ناداه عجل ٍ على المسجد بطي ٍ ركوعه ( والغبطة هي أن يتمنى الإنسان نعمة في يد أخيه دون أن يصاحب ذلك تمنّي زوالها عمّن يملكها . ) والإنسان في الغالب يحب أن يملك الكثير من كل شيء؛ ولا يقنع باليسير أو القليل، بل يطلب المزيد دائماً، وينظر لمن هو أعلى منه، ويغبطه ويتمنى أن يكون مثله في كتب التراث قالوا ( إذا طلبتَ العز فاطلبه بالطاعة، وإذا أردتَ الغنى فاطلبه بالقناعة، فمن أطاع الله عزه ونصره ، ومن لزم القناعة زال فقره . ) والطاعة تجلب الخير وتؤدي إلى الراحة النفسية، وكذلك القناعة. فاصلة: النفسُ راغبةٌ إذا رغبتها وإذا ترد إلى قليل تقنعُ