يعاني بعض الأباء والأمهات من عدم قدرتهم على التعامل الأمثل مع طفلهم الوحيد، الذي ربما تتسم شخصيته بالأنانية أو العدوانية أو الإنطوائية أو حتى الاتكالية وغيرها من الصفات التي تكون في نهاية الأمر نتائج أساليبهم التربوية في بناء شخصيته، ف"وحيد أمه وأبيه" حالته النفسية واحتياجاته المعنوية تختلف كثيراً عن الطفل الذي ينشأ بين إخوة وأخوات، وهذا ما يفرض على الوالدين أن تكون لديهما طرق خاصة في تربيته بعيدة عن المبالغة والحرص الزائد في الاهتمام والدلال. "الرياض" في هذا التحقيق تقدّم للأسر أهم الأساليب التربوية الناجحة في تعاملهم مع الطفل الوحيد من خلال آراء بعض المختصين. الحالة المزاجية بدايةً، أوضح "د.أحمد الحريري" -المعالج النفسي والباحث في الشؤون النفسية والاجتماعية– أهم أشكال الوحدة التي يعاني منها الطفل في محيط الأسرة، حيث يوجد طفل واحد من أم و أب ليس لديه أخوة أو أخوات أو أن يكون هناك طفل وحيد مولود بعد خمس سنوات أو أكثر من الطفل الذي يكبره أو أن يكون هناك طفل واحد ذكر بين مجموعة من الأخوات أو طفلة بين مجموعة من الإخوان الذكور، مبيناً أنّه في كل هذه الأشكال الأربعة يمكن توقع عدد من الآثار النفسية التي يجب مراعاة عدم حدوثها، لما لها من سلبيات على الحالة المزاجية وتكوين الشخصية للطفل، معتبراً أنّ الإحساس بالوحدة قد يؤدي إلى شعور الطفل بالإكتئاب والملل، وبالتالي التصرف بطريقة غير متوافقة في المحيط الذي يعيش فيه، كما يؤدي إلى وجود تحديات في مهارات التعلم المعرفي وتبادل المعلومات والأفكار والخبرات، وتحديات على مستوى تعلم المهارات الاجتماعية مثل "المشاركة" و"الاشتراك في الخبرات" و"اللعب الجماعي" و"التقليد" و"المحاكاة". عوائق النمو السليم وأضاف"د.الحريري": "قد تقف الوحدة حاجزاً يعيق الطفل عن النمو النفسي السليم، وقد تزداد الأمور تعقيداً على مستوى تكوين الشخصية والتعبير عن الهوية، ويكون ذلك ملاحظاً لدى الكثيرين عندما ينشأ طفل ذكر بين مجموعة من الأخوات اللواتي يمنحن أخاهن اهتمامهن ورعايتهن، فينشأ ذا شخصية تميل إلى النعومة، وهذا قد يفقده ثقته بنفسه وتأكيده لذاته، وربما يحدث العكس أيضاً عندما تنشأ طفلة بين مجموعة من الذكور فتتأثر بهم وتتشكل لديها أزمة في هويتها، ومستويات التعبير الأنثوي الذي يميزها عن غيرها، فتتصرف تماماً مثل الأولاد؛ مما قد يترتب على ذلك من حالات (الاسترجال)". مشاعر الاكتئاب وبيّن "د.الحريري" أنّ أزمات الثقة، ومشاعر الاكتئاب، وانخفاض مستويات تأكيد الذات، ونقص التعلم في المهارات، هي أبرز ما يمكن أن يواجه الأهالي مع الطفل الوحيد، مقترحاً حلول وقائية تبدأ من التخطيط الجيد للحمل والولادة وتنظيم النسل، بحيث لا يكون هناك فواصل كبيرة بين ولادة الأبناء، وربما أنّ سنتين أو ثلاثة كحد أقصى تكون مدة كافية، مشدداً على أهمية أن يكون إنجاب الأبناء وفق اهتمامات كيفية في التربية والتنشئة، لا وفق اهتمامات كميّة، فابن صالح أو اثنان خير من خمسة أو سبعة يصعب تربيتهم، وربما يكونون عالة على ذويهم أو مجتمعهم، مشيراً إلى أنّ التربية لا تخلو من الضغوط النفسية على الأباء والأمهات، فهي مسؤولية صعبه إذ لم يملكوا لها الأدوات والإستعداد. ونوّه بضرورة إشراك الطفل الوحيد بمزيد من الأنشطه المتوافقة مع سنه وجنسه، فإذا كان ذكراً فمن المهم أن يجد رعاية أكبر واهتمام أكثر من الأب لأبعاد تتعلق بتوطئة الهوية الجنسية، وإن كانت أنثى فمن المهم أيضاً أن تجد الاهتمام من والداتها لذات السبب، إلى جانب إيجاد صديق أو مجموعة من الأصدقاء أو ما يسمى بالقرين من أبناء الأقارب أو أبناء الجيران، ليكون هذا الاختلاط منظماً ومفيداً ويعود على الطفل بالفائدة على مستوى النمو العقلي والشخصي والنفسي، مشدداً على أهمية استشارة أخصائي نفسي عند وجود أي ملاحظة في التواصل ومشكلات سلوكيه لدى الطفل الوحيد؛ لإيجاد تدريبات وعلاجات سلوكية لحل المشكلات. بناء شخصية وأكدت "نادية سراج " -أخصائية اجتماعية– على أهمية دور الوالدين في بناء الشخصية السليمة والإيجابية للطفل، سواءً كان هذا الطفل وحيداً أو يعيش مع إخوته، مبينةً أنّ طريقة تربية بعض الأهالي ترتكز غالباً على مضاعفة الدلال والاهتمام والإغداق بالألعاب والترفيه، بحجة أنّه وحيد؛ مما ضاعف بالمقابل من متاعب ومعاناة الأسرة وزاد من حدة شكواها، حتى بعد تجاوزه لمرحلة الطفولة، مشيرةً إلى أنّ التربية المتوازنة للطفل الوحيد ستمنح الوالدين فرصة كبيرة في تطوير شخصية طفلهم وتميّزه، إذ ليس بالضرورة أن يعاني الطفل الوحيد من مشاكل نفسية أو ضعف في المهارات الإجتماعيّة، بل على العكس ربما تكون نفسيته أكثر توازناً وشخصيته أكثر تميزاً وإتقاناً للمهارات الاجتماعية من الأطفال الذين لديهم أخوة. أهمية الحزم وأشارت "سراج" إلى أهمية الحزم والاعتدال في تربية الطفل الوحيد، فالحماية والاهتمام الزائد والخوف المبالغ به يولد لدى الطفل شيء من الخجل والإنطواء، إلى جانب الموازنة في تحقيق طلباته، فالإسراف في تلبيتها قد يضعف من شخصيته، لافتة إلى ضرورة تعويد الطفل على الاستقلالية والاعتماد على النفس في تدبير جميع شؤونه كأي طفل آخر. إكساب المهارات وشددت "سراج " على أهمية الحوار مع الطفل وإجابته بشكل واضح عن جميع أسئلته الخاصة حول عدم وجود إخوة لديه، خاصةً حينما يسمع بعض التعليقات السلبية من الأطفال حول عدم وجود أخ أو أخت له، كما أنّه في حاجة مستمرة لتبادل الحوار مع والديه؛ تجنباً لإحساسه بالملل داخل المنزل، واستغلال هذه الأوقات في اكسابه بعض المهارات، وتنمية المواهب لديه، مع تخصيص وقت معيّن للقراءة والكتابة يومياً، فهذا بلا شك سيزيد من ثقته بنفسه ويطوّر شخصيته، منوهةً بأهمية أن يدرك الوالدين استغلال أوقات فراغ هذا الطفل بشكل مقنن وبعيداً عن العشوائية، وذلك من خلال تسجيله مبكراً في رياض الأطفال أو الحضانة، مع الحرص على تنظيم لقاءات عائلية تمكنه من اللعب مع أطفال أقاربه، ولكن لا يكون ذلك هو برنامجه اليومي فقط، بل لابد من البحث عن وسائل تجعل أوقات الطفل متنوعة بالنشاطات المتميزة ومليئة بالبرامج الترفيهية المسلية. اختيار الألعاب المناسبة للطفل باعتدال يسهم في احتواء الطفل تربوياً