ينبغي أن يخطط المجتمع الدولي الآن، بجدية، لمرحلة ما بعد الأسد. إذ من الواضح ان رحيله أصبح مسألة وقت؛ خاصة بعد أن غدت دمشق نفسها مسرحاً لمواجهات ضارية بين الجيشين الأسدي والحر. ترك سوريا للفوضى بعد سقوط النظام سيسفر عن فراغ لن تكون سوريا فقط ضحية له بل سيهدد كافة دول الجوار. العالم مليء بالأشرار وذوي الأجندات الخفية؛ وهؤلاء سيحاولون، دون شك، توجيه الأحداث نحو ما يخدم مصالحهم. من هنا فمن الضروري أن يتم فرز وتصنيف القوى الفاعلة على الأرض والناشطة ضد النظام كي يمكن التفريق بين أولئك الذين يبحثون عن مصلحة الدولة السورية وأولئك الذين لا تحركهم سوى مصالحهم الخاصة. إذ ليس صحيحاً بان جميع المنضوين تحت لواء الثورة وطنيون. لا أحد ينكر بان الأغلبية الساحقة من الثوار هم من الوطنيين إلا ان هناك أيضا طائفيين وهناك انتهازيين بل وإن هناك مجرمين. فالثورات، بصفة عامة، تجتذب لاعبين من كل الأطياف والثورة السورية ليست استثناء من ذلك. كما ان من بين المنضمين للثورة أناساً كانوا مرتبطين مع النظام ومنغمسين، بطريقة أو بأخرى، في جرائمه وليس من الحكمة أن يكون لهم دور في سوريا المستقبل. فشخص مثل السفير السوري في بغداد نواف الفارس، الذي انشق هذا الأسبوع، يعرفه السوريون كشخص دموي ذي تاريخ أسود عندما كان رئيساً لفرع الأمن السياسي باللاذقية ثم محافظاً للاذقية وإدلب والقنيطرة على التوالي. لذا فإنه في غاية الأهمية أن يكون محبو سوريا من الأشقاء والأصدقاء على اطلاع تام على خلفية أولئك الثوار لدعم الطرف المناسب بعد سقوط النظام. إذ إن أسوأ سيناريو ممكن هو أن يتولى زمام الأمور في دمشق الأشخاص الخطأ الذين يرغبون في إطالة الفترة الانتقالية وتعقيدها تحقيقاً لأطماعهم في جني مكاسبهم من الفوضى. إن التمسك بعدم التدخل في سوريا عقب سقوط النظام تحت عنوان إن أبناء سوريا أدرى بمصلحتها وإنهم، وحدهم، من يملك الحق في تقرير وجهتها هو الموقف السليم لو كنا نعيش في عالم مثالي لكننا، للأسف، لسنا كذلك. الفراغ سيمْلأ ويتعين عدم ترك المجال للأشرار كي يتغولوا على الأخيار. من حق سوريا علينا عندما تلج، قريباً، تلك المرحلة المؤلمة أن يأخذ أشقاؤها وأصدقاؤها بيدها حتى تتعافى. من حقها علينا إسداء النصح لها وتقديم المشورة والدعم. من حقها علينا دعم الداعين لدولة الحقوق والمؤسسات ونبذ ما سواهم. الثورة قامت لأن النظام كان وحشياً ومجرماً وليس من العدل إجهاضها، بعد كل تلك التضحيات، بالسماح لنظام مشابه له بسرقة الثورة. يجب علينا ألا ننسى بأن واجبنا الأخلاقي تجاه الثورة لا ينتهي بمجرد إسقاط النظام.