الأحباب والأعزاء يفارقوننا ويتركوننا ويغادرون، تذكرت ذلك عندما تلقيت نبأ وفاة المغفور له بإذن الله تعالى، سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز، فقد صمتّ للحظات وأنا بحالة من الذهول اللحظي، أدركت أني فقدت عزيزا وحبيبا إلى القلب، وشخصية يندر تكرارها لما لها من ملامح غاية في الإنسانية ونبل الأخلاق وحسن المكارم. كان الأمير نايف مدرسة في الحس الإنساني، فقد جمعتني به مناسبات عديدة، كان كثير التفكير، قليل الكلام، ينصت ويصغي بكل حواسه لمن يخاطبه أو يتحدث معه، لا يقاطعه أبدا حتى وإن بدا المتحدث يقول كلاما مبهماً، كانت لدى سموه إجابات لما يجول بخاطر أي إنسان، كان في الأمن فارسا لا يشق له غبار، وفي السياسة محاضرا متمرسا، ونفس الشيء في الاقتصاد وبقية المجالات، حديثه –رحمه الله- كان من النوع "المختصر المفيد" كلمات قليلة موجزة عميقة في معانيها، لا تفتح الباب واسعا أمام التفسيرات والتأويلات، وفي الوقت نفسه تتسع لتشمل ما لا يخطر على بال. لم يكن يعرف معنى للخصومة واللدد، كان يُعلي القيم الأخلاقية ويتمسك بمعاني الرحمة، لم يكن للتسلط أو العداوة مكان في نفسه، السماحة هي الغالبة والمسيطرة، يعذر غيره ويلتمس له الأعذار، على الرغم من أن طبيعة منصبه كانت تعطيه الفرصة لتوسيع دائرة الاشتباه، لكنه كان يتعامل مع كل قضية بحجمها، لا يعرف التشفي. تعرضت المملكة خلال فترات سابقة لهجمات وحملات إرهابية مأجورة، نجح الأمير الراحل في التصدي لها وإحباطها على نحو أكسبه احترام العالم ومنح المملكة مكانة رفيعة أخرى تضاف إلى قائمة طويلة من بنود ومفاهيم الشرف والفخر لمملكتنا العظيمة. نجح نايف في كل ما عهد إليه به من أمور، لأنه كان يعتمد الخبرات التي لديه والتي اكتسبها على مدار فترات طويلة، كذلك لإخلاصه الشديد وثقته الكاملة واليقينية في قدرة الله على حماية المملكة وصونها من كل مكروه. لم يكن يحب الظهور كثيرا أو الوقوف أمام عدسات التلفزيون، كان يتقن معنى "العمل في صمت" يوصل الليل بالنهار لصون أمن المملكة، وبالفعل كان النجاح حليفه ومؤيده وناصره، ومن ثم فنحن مدينون له –بعد الله تعالى- بما نحن فيه من نعم الأمن والأمان بفضل التوجيهات الأبوية الحانية من مقام خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله-. الأمير نايف –رحمه الله- من الشخصيات التي سيتوقف التاريخ أمامها كثيرا يستخلص منها العبر ويسجل كل التقدير والفخر لها، إنجازاته تجعله يحتل الريادة في معجم التاريخ وكتاب الزمن. فليرحم الله، فقيدنا الراحل رحمة واسعة جزاء ما قدم لوطنه وأمته وللعالم، وليبارك لنا في خادم الحرمين الشريفين وسمو الأمير سلمان بن العزيز، مع دعاء إلى الله أن يوفق سمو الأمير أحمد بن عبدالعزيز في مهمته الجديدة، فهو ليس ببعيد عن وزارة الداخلية بل من أنجب أبنائها وأسدها الهصور، فقدراته العالية وإمكانياته اللامحدودة تجعله يواصل النجاح ويسير بقافلة الوطن الآمنة إلى مرافئ الأمن والسلام. أما شعب المملكة، فأقول له أحسن الله عزاءكم وجبر مصابنا وأعاننا على تجاوز هذه المحنة التي ألمت بنا جميعا، ونسأل الله سبحانه أن يلطف بنا في قضائه.