تواصلاً مع موضوع الأمس.. مع موضوع مصير أهم دولة عربية إسلامية تدافعت على شعوبها جهود متنوعة منذ مئات الأعوام حتى حوّلتها إلى مآسي علاقات، ولم يعد لها الاستقرار ولا بدايات الحضور النظامي، والحضور ربما بما هو يفوق معظم أندية الحكم الراهنة.. وذلك عندما استقرت أوضاعها بوجود حكمها الملكي الذي انتهى بعبث إجرامي تواصلت بعده احتفالات سفك الدماء وكأنها عمل وطني مشرف.. ولعل من أبشع النهايات ما انتهت به حياة رئيسها عبدالكريم قاسم الذي لم يكن أصلاً المنظم القيادي للثورة الدموية، حيث كان عبدالسلام عارف وراء ذلك الإعداد.. عبدالكريم قاسم ترك مقتولاً كأي حيوان شرس قريباً من الإذاعة لمدة ساعات، وقد مرّت بعهده مآسٍ كثيرة وخلافات قاسية مع النظام الناصري، وعرفت في عهده ممارسات السحل البشعة التي كانت ترتّب قتل المعارضين بسحبهم أحياء خلف سيارات حتى ينتهي السحل بالموت.. ولم يكن وحده من شهد الانتقام البشع؛ حيث إن المهداوي الذي حوّل قذارة المحاكمات إلى مشاهد كوميدية ساخرة في مشاهدها ومؤلمة في تفاصيلها ونهاياتها، ومن الطريف أن من كان أكثر تحريكاً للرصاص في مدخل القصر الملكي أنهى حياته في وضع نفسي سيئ جداً قاده إلى حالة الموت.. عبدالسلام عارف حكم العراق، لكنه لم ينه حياته بشكل طبيعي حيث توفي بسقوط طائرة كان داخلها، وتعدّدت روايات تقول إن ما حدث كان مرتباً للتخلص منه، ومع أن أخاه حكم بعده إلا أنه اُستبعد بعد زمن قصير.. ثم توالى برود الحكم حتى أشعله من جديد صدام حسين الذي أراد أن يؤكد وطنيته باحتلال الكويت في مهمة فاشلة، وانتهت حياته كما نعرف عن طريق محاكمة قاسية، ورغم ماضيه السيئ إلا أنه وجد من يتعاطف معه عبر الوسيلة التي أُعدم بها.. نعرف أن سقوط صدام حسين تم بواسطة غزو أمريكي بالغ القسوة وبالغ الغايات الغريبة، لأن القوات الأمريكية لم تنسحب إلا بعد توفّر يقين وجود التمزق الداخلي ووجود انقسامات قاسية ذهبت بكثيرين نحو الموت.. التوزّع الذي حل بالعراق شبيه بما حدث في لبنان، لكنه رغم قسوة أحداث لبنان إلا أن أوضاع العراق أصبحت أكثر صعوبة، حتى إنه حين يتم اغتيال عشرة أو عشرين مواطناً لا يستحق الأمر النشر ويحدث ذلك حين يتجاوز العدد رقم الخمسين أو المئة.. اللافت للانتباه أن النهاية كانت تبدو كما لو كانت الغاية التي دفعت أمريكا إلى التدخل وهي تمزيق وحدة وطن من أبرز المجتمعات العربية في ماضيه البعيد ومن أجزلها إمكانيات تطوير متعددة، وهو ما جعل مهمة التطوير استحالة في أوضاع تنوّع الصراعات.. الطريف في الأمر أنه إذا كنا نسمع كثيراً أن أمريكا تهدّد إيران بالقضاء على قدرتها النووية نجد أنها سلمت العراق لإيران بوجود منطلقات تدخل طائفية وعرقية لها.. كل ما حدث هو نموذج من عينات كثيرة قادت مجتمعات عربية كثيرة إلى التمزق والتراجع الاقتصادي والحضاري..