أطفالنا فلذات أكبادنا وشرايين قلوبنا وصغارنا اليوم وشبابنا غداً من الأهمية إعدادهم صحياً لتكملة مسيرة الوطن عملياً وبمجالات متعددة، وتأهيلهم بدنياً وعقلياً لتحمل صعاب المستقبل، ورغم ما تبث به إلينا عولمة التقارب الذي لم يقتصر على الفكر ولا الثقافة فقط بل حتى على عاداتنا وسلوكنا في تناول طعامنا، متزامناً ذلك مع ضعف البرامج الوقائية، أجد أنه من المهم إبراز المخاطر المحيطة بهم والإشارة إليها بإلحاح متكرر. من الغريب أن تتوقع مستقبلاً رؤية طفل ينتظر إجراء تحاليل طبية مثل تحليل مستوى كوليسترول الدم أو الدهون الثلاثية، وهذا ما يتفق عليه غالبية الممارسين للدور الصحي، ولكن ما ورد في صحيفة (CHILDRENSHEALTH) المتخصصة في صحة الأطفال عكس ذلك حيث تقول «مبدأ معرفة مستوى الكوليسترول في دمك شيء معتاد عليه، ولكن من الأهمية معرفة مستوى الكوليسترول في دم أطفالك خاصة عندما يكون للعائلة تاريخ في ارتفاع مستوى كوليسترول الدم تحت سن 55 سنة مع وجود عوامل أخرى كالسمنة وقلة ممارسة النشاط البدني». ولأني من المطلعين والمقربين من الإحصائيات والدراسات ذات الأرقام المخيفة في الحديث عن معدلات انتشار السمنة في المجتمع السعودي، وبروزها بشكل واضح في مجتمع الأطفال لاحظ عدد المصاب منهم بالسمنة، وأنت خارج من البيت شاهد أعداد صغار السن في مطاعم الوجبات السريعة، حتى وأنت في الصباح الباكر ليس من المستغرب أن ترى علب المشروبات الغازية في أياديهم، وهذا مؤشر مخيف على تفشي هذه المشكلة في وسط مجتمع الأطفال لدينا، وإنذار مبكر لأخذ الاحتياطات الاقتصادية والطبية لمواجهة زيادة أمراض القلب والسكر والضغط وسلسلة الأمراض الأخرى في الزمن القادم، وما يجعل الأمر أكثر رهبة تأكيد نتائج عدة دراسات طبية على انتشار المشاكل النفسية في بعض المصابين بالسمنة أكثر من الضعيفين بالمقارنة مع الأطفال ذوي الأوزان الطبيعية! والحلول المفروض العمل بها تتمثل في تعزيز دور ثلاث ركائز أساسية في انتشار هذه المشكلة وهي الأسرة و الجهات الحكومية متمثلة في القطاع الصحي والتعليمي بالإضافة إلى مشاركة القطاع الخاص في إيجاد الحلول المناسبة، والعمل على نشر الوعي الغذائي والتغذوي السليم لدى المجتمع لينعكس ذلك على تحسن الصحة العامة للأطفال وزرع العادات الغذائية الجيدة لديهم، وهذا للأسف أساس المشكلة الذي لا زلنا غير قادرين على العمل به، بسبب ضعف برامج التوعية الصحية وإهمال مبدأ الوقاية وهذا ما تتحمله قطاعات حكومية متعددة، وعدم مساهمة أو تعاون القطاع التعليمي مع القطاع الصحي لإبراز هذه المشكلة الصحية وإيجاد الحلول الواقعية لها، (CHILDRENSHEALTH) أن الحلول يكون في تغيير عادات الطفل إلى استهلاك أطعمة تحتوي على نسب عالية من حبوب كاملة وخضروات وفواكه وزيادة النشاط البدني واستشارة اختصاصي التغذية، ولكني أرى بالإضافة إلى هذا الحل الذي يعتمد على أسلوب علمي أن المسؤولية تقع على بيئة الطفل والتي يمثلها الأسرة والمؤسسات الحكومية، وأنها لا بد تمارس دوراً توعوياً وتثقيفياً يجعل الطفل يعرف ما هو غذاؤه وكيف له أن يختاره بالشكل الصحي السليم، وأن تمارس المصانع الغذائية خطة استراتيجية تعتمد على مبدأ المساهمة في نشر الوعي الغذائي، وتقليل تأثيرها الإعلامي على استهلاك أغذية خاوية والعمل على إنتاج أغذية أكثر صحية، يطول الحديث عن هذا الموضوع كثيراً وذلك لتداخل القضية بجوانب عديدة، تطرقت للقليل منها والمؤثر الأقوى بانتشارها، ويبقى أن ننتظر ولادة الحلول والبرامج الصحية، ولكن من يشعل شرارة الاهتمام بهذا الموضوع، من ؟ من ؟ من ؟ ... * ممثل الجمعية السعودية للغذاء والتغذية