اوصى امام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس المسلمين بتقوى الله عز وجل "واشكروه، وأطيعوه ولا تعصوه، اشكروه على نعمه الباطنة والظاهرة، وعلى آلائه المتوافرة المتكاثرة، تفوزوا بخير الدنيا ونعيم الآخرة". وقال في خطبة الجمعة يوم امس بالمسجد الحرام انه في أغوار الفتن وأعماقها، وبين فَحِيحها وضُباحها، تأتلق قضية فيحاء، ومن أهم دعائم العمران والحضارات، يذكّر بهذه القضية في زمن روَّقَ علينا بكلكله وأوانٍ كثرت فيه الفتن البهماء، واسْبَطرَّتْ محنه العمياء الدهماء، وأشلاء ودماء، ودمار وأصلاف وأرزاء، تَسْتَعِرُ جوانب أمتنا الإسلامية، وتتقلب فيه الأحداث الدُّوَلية والعالمية، قضية الأمن والأمان، والاستقرار والاطمئنان. فيا لله ما أعظمها من نعمة، وأكرمها من منحة ومِنَّة، نعمة الأمن والأمان. فمنذ أن أشرقت شمس هذه الشريعة الغراء ظللت الكون بأمن وَارِفْ، وأمان سابغ المعاطف، لا يستقل بوصفه بيان، ولا يَخُطُّه يراع أو بنان، فالأمن فيها من أولى المطالب، وأفضل الرغائب، وأهم المقاصد، فهو مطلب رباني، ومقصد شرعي، فإذا ما تحقَّق وتأكَّد، وعمَّ وتوطَّد، تأتلق قدرات الإنسان شطر الازدهار، والتميز والابتكار، والإنماء والإعمار، وينحسر الاضطراب والبوار، فلله ثم لله كم في الأمن من الفضائل والبركات، والآثار السَّنِيَّات، وقد جعله سبحانه من أجَلِّ النعم وقرنه بالإطعام من الجوع، فقال سبحانه: الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ. وأضاف فضيلته ولقد كان الأمن أول دعوة دعا بها خليل الرحمن إبراهيم –عليه السلام- حيث قال: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ، فقدم الأمن على الرزق، بل جعله قرين التوحيد في دعائه فقال: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ.وقد عمَّقَ الإسلام هذا المعنى ورنّقه، ففي ظلاله يتضوَّعُ الجميع الأمن والأمانْ، ويأمنون الغُدَر الجِوَانْ، ورَمْي الرَّجَوَانْ. واكد فضيلته ان تلكم هي المنهجية الإسلامية الصحيحة، لهذه القضية الشاملة الربيحة، قضية الأمن والأمان، فهما جنبان مكتنفان للإيمان، منذ إشراق الإسلام، إلى أن يُحشر الأنام، فلقد أعلى الإسلام شأنها، ورفع شأوها، حيث قال نبي الهدى: "من أصبح آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها" ولقد امتن الله تعالى على بلاد الحرمين الشريفين بنعمة الأمن والأمان، فقال سبحانه: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ، فسبحان الله عباد الله، ها أنتم أولاء ترون الناس من حولكم وما يعيشونه من خوف واضطراب، فما هي أنباء إخوانكم في الأرض المباركة فلسطين، بل ما حال إخواننا على ربى الشام الحزين، ناهيكم عما يجري للمسلمين في بورما وأراكان من تقتيل وتنكيل وحرق شائن مهين، وقل مثل ذلك في كل صقع رهين. وقال تعالى: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ. مشيرا ان بلادنا وهي قبلة المسلمين ومتنزل وحي ربهم ومبعث ومهاجر نبيهم عليه الصلاة والسلام- آمنة بفضل الله من الحروب العاصفة، والفتن القاصفة، التي تقضُّ المضاجع، وتُغَوِّر الفواجع، وتَذَرُ الديار بلاقع، سلمها الله –تعالى- من الأحداث النوازل، والنكبات القوازل، وبسط الأمن في ربوعها، ونشر الأمان في أرجائها. وقال امام وخطيب المسجد الحرام إن استحكام الأمن في البلد الحرام عقيدة راسخة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، لا يضيرها عُكَابَاتُ الأغْتَام، ولا ذَمُّ الصَّعَافِقَة اللِّئَام، فقد أجدبت أجْفَارهم، وتطايرت أحلامهم، وَوَخَرَ الحقد صدورهم، فصاروا أطْيَشَ من القَدُوحِ الأَقْرَحْ، وساءهم كُلّ ما يُفْرِحْ، ومهما قَطَّرُوا الجَلَبْ، ونَاهَزُوا الغَلَبْ، انعكس عليهم الحال، وساءت بهم الفِعَال، الأمر الذي أقض مضاجعهم، وزاد حنق ناعقهم، فأجلبوا بِخَيْلِهِم ورَجِلِهِمِ، وبثوا الأراجيف والشائعات المغرضة، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، مما يؤكد لاسيما للأجيال الناشئة عدم الإصغاء لدعاة الفتنة وخفافيش الظلام ومثيري الشغب والفوضى ومروجي الأفكار الضالة، ومن أسلسوا قيادهم وجعلوا من أنفسهم أدوات في أيدي أعدائهم، لاسيما عبر شبكات البث المعلوماتي ووسائل التواصل الاجتماعي، فبلادنا –بحمد الله- آمنة مَرْغُوسَة، وفي تخوم الأمان مغروسة، ومن الأعادي مَصُونة مَحْروسة، وستظل ثابتة على عقيدتها، متلاحمة مع ولاة أمرها وقادتها، وإن أصابتها العُضَالاَت، ومَهْمَا فقدت من رجالات وكفاءات، فخلفهم أقْيَال قادات.