"ما تفهميني، أنتِ في وادي وأنا في وادي" رددتها "هي وهو" مراراً وتكراراً في كل نقاش أو حوار تتبعه بحسرات تُفرّغ بها ما في قلبها لإبقاء وضعها الراهن كما هو؛ خشية "كلام الناس".. خمول عاطفي يومي بين القبول العلني والرفض الضمني، عندها تتفاقم الفجوة الفكرية، وتقل المشاركة بين طرفين يكشف كلاهما عن خيبة أمل، ثمنها أغلى ما يملك "العمر والمشاعر" نتيجة لتباعد عقلياتهما بعضهما عن بعض إلى حدٍ لم يسمح أن يتوائما. زواج أصحاب المهنة الواحدة (أطباء، معلمين، مهندسين، إعلاميين، محامين، ...) ليس فاشلاً ولكنه قابل للفشل بشكل عام؛ إذا لم يوجد تفاهم بين الزوجين وكذلك تقارب في السن. "الرياض" تناقش عبر هذا التحقيق آراء مؤيدين ورافضين للزواج المهني. بيئة العمل في البداية، أكد "هيثم أحمد" - إعلامي - على أن الزواج المهني سياق آخر غير التصور البديهي حول مدى كونه متعلق بحالات الارتباط التي تنشأ ضمن بيئة العمل، مبيناً أن الحرفية في الزواج بما تتضمنه من وعي في اختيار الشريك في سياق بيئة الفهم النفسي والتناسب الفكري والعقلي والعاطفي المطلوب، مبيناً أن حالات التوافق الشخصي التي تحدث بين الناس سواء كان في إطار الزمالة أو ضمن لقاءات الحياة المختلفة، فإن الدوافع والمعايير تكاد تكون واحدة رغم تباين ما توفره كل بيئة من معطيات الاهتمام المشترك والفرص المماثلة لوضع الشخصيات بمختلف نوعياتها على محك الاختبار. وقال: "يجب ألا نغفل أيضاً أن الحياة بتجدد ما فيها من وسائل التواصل وفضاءات الالتقاء الاجتماعي عبر سياقيه الواقعي والافتراضي، غيّرت كثيراً من المفاهيم القائمة على مستوى علاقة الناس بعضهم ببعض إجمالاً، وعلى صعيد العلاقات المؤدية إلى الارتباط على وجه التحديد، فأصبح الأمر يمر بمراحل أكثر نضجاً وتركيزاً مع اتساع نطاق المعرفة وتنوع النماذج النفسية والشخصية التي يمر بها الإنسان في حياته". وأضاف: "في تقديري أن (مهنية الزواج) يمكن تطبيقها في علاقات بيئة العمل المهنية وفي غيرها من مجالات التواصل الإنساني، وهي تعتمد بالدرجة الأولى على اجتهاد الشخص في سبيل التوصل لأكثر الخيارات إرضاءً لمتطلبات شخصيته من ناحية، وقدرة على منحه حالة الارتباط المستقرة من ناحية أخرى، وتعتمد هذه المهنية في اختيار الشريك في جزء منها على عدم المجاملة وفي جزء آخر على عدم المغالاة في المواصفات ولكن دون تنازل عن الحد الأدنى المعقول من المقومات". وأشار إلى أن بيئة العمل قد تتكفل بتوحيد الاهتمام بين الطرفين، لكنها لا تضمن توحيد طباعهم وكيفية تعايشهم مع مختلف ظروف الحياة، كما أن حالة التعوّد التي تميز هذه العلاقة قد تنمي شيئا من الارتياح الشخصي لكنها لا تعني بالضرورة عمقاً يمكن الاعتماد عليه لبناء مشروع ارتباط، وفي المقابل فالعلاقة من خارج الإطار العملي قد تكون خياراً مثالياً لأشخاص يرغبون في إعادة ترتيب ذواتهم خارج دائرة الوظيفة أو التخصص، لكنها تتطلب عملاً أكبر على خلق اهتمامات مشتركة يمكن الاعتماد عليها لإثراء الحياة بين الطرفين. وبيّن أن بيئة العمل تتيح فرصاً أكبر لكنها لا تبرر القبول بمعايير أقل، والحياة العامة تمنح عدة خيارات ولكنها ليست بالضرورة أفضل، عين المجتمع تنظر بعين التحفظ للزواج في الحالة الأولى، وتضع محددات بالغة التعقيد أحيانا في الحالة الثانية، ذاكراً أن هذا كله ليس مهماً بقدر أهمية أن يتشكل الأمر دائماً بين بيدي القرار الشخصي المعتمد على حرية الرأي، وامتلاك حق الاختيار بمعزل عن الاعتبارات غير المتصلة مباشرة بمفهوم الارتباط، منوهاً أن أحد أهم عناصر"المهنية" في الزواج هو أن يكون تجسيداً حقيقياً لرغبة الطرفين الوحيدين المعنيين به، داخل واقع يحترم هذه الرغبة ويفهمها على ما هي عليه، ليس إلاّ. تبادل خبرات وذكرت "سارة" - إعلامية - أنها تحترم عمل زوجها الإعلامي والكاتب في إحدى الصحف اليومية، وتراعي ظروف عمله الذي يتطلب بقاؤه خارج المنزل كثيراً، موضحة أن زوجها هو الآخر يتفهم طبيعة عملها ووجودها خارج البيت في العمل أثناء تغطياتها وأعمالها الصحفية الميدانية، فضلاً عن تبادلهما الخبرات فيما بينها وبين زوجها، لافتةً أن ظروف الحياة الصعبة تتطلب أن يكون كلا الطرفين متمسكا بمبدأ المرونة حتى تسير دفة الحياة بهدوء، مبينةً أن زواج المهنة الواحدة قد يكون عاملا للنجاح في حياة الزوجين. عمل الزوجين بعضهما مع بعض يتيح لهما تقارباً فكرياً ومهنياً أكبر زواج التحدي ولا يرى العميد "محمد الغامدي" التكامل المهني من مقومات الزواج الناجح، بقدر أهمية التقارب العمري، منوهاً أن زواج المهنة الواحدة ليس فاشلاً ولكنه قابل للفشل بشكل عام؛ إذا لم يوجد تفاهم بين الزوجين وكذلك تقارب في السن، مشدداً على أهمية تلبية احتياج المرأة في الاحتواء العاطفي وتلبية احتياجاتها النفسية، قبل الاعتماد على الاختيار المحصور بعمر معين أو مهنة أو مكان عمل. وقال: "الطبيب والمدرس والصحفي والموظف، يكون بينه وبين زوجته التي تشاركه نفس المهنة والعمل نوعاً من التحدي؛ لأن كلا منهما له طموح يرغب في تحقيقه، وهذا يعني وجود تنافس بينهما وإن حاولا إخفاءه لكنه سيظهر بصورة واضحة، كما أن الرجل يريد أن يحقق ذاته من خلال نزعته الذكورية، وحق القوامة على المرأة وإذا ما تفوقت زوجته، قد يسعى لتضييق الخناق عليها ويعمل على إفشال مشروعاتها المستقبلية، بمطالبتها بالاهتمام بالأطفال وبالبيت". وأضاف: "من خلال إطلاعي على تجارب زيجات في إطار المهنة الواحدة سرعان ما كانت نهاية هذا الزواج الفشل، حيث نجد الزوج يخيّر زوجته بين التفرغ للمنزل أو اختيار العمل والنجاح، وهنا الرجال الشرقيون يشعرون بالنقص أحياناً، ويسعون إلى إكمال ذواتهم من خلال تهيش دور المرأة، تخوفاً من مقولة (هذا زوج فلانة المشهورة)، وعند ذلك ستلعب النظرة المجتمعية دورها الكبير من أجل التأثير في هذا الزوج، ويكون ذلك من خلال المحيطين به من خلال الكلام، أو من النظرات التي لا يستطيع الزوج تجاهلها". وأشار إلى أن ما يزيد "الطين بلة" إذا كان نجاح الزوجة المهني في المكان نفسه، كأن تتسلم أحد الأقسام أو الإدارات، بينما يبقى هو ضمن نطاق الموظف العادي، وهذا الأمر له انعكاسات سلبية على الأسرة، حينها تحاول المرأة ممارسة دور المديرة داخله أيضاً، وقد يكون ذلك من "غير قصد"، أو من دون إحساس بفداحته، ومدى جرحه لكبرياء الرجل الشرقي. انسجام وتكافؤ وأوضح "د. محمد البداح" - وكيل كلية الدعوة والإعلام - أن الزواج له مدلولاته ومقاصده الشرعية والاجتماعية والنفسية والعاطفية، ولا تتكامل مثل هذه المقاصد إلاّ بوجود قدرٍ من الانسجام والتوافق والتكافؤ بكل صوره، ومنها تفهّم كل طرف للآخر مهنياً وفكرياً، ما يتيح لكل طرف تقدير ظروف وارتباطات عمل الآخر، ويعين في الإلمام بكل متطلبات هذا العمل سواء بطبيعته أو بوقته أو بعلاقاته أو بالتزاماته، فضلاً عن التقارب الفكري والاشتراك في ذات الاهتمامات المعرفية أو الاتجاهات أدبية كانت أو تأريخية أو حتى اقتصادية، الأمر الذي يزيد من التفاهم والتقارب ويقلل من التباين الفكري والثقافي الذي ربما يقود إلى مراحل أبعد إلى البعد والفراق أو حتى الطلاق. وقال:"جاء في القرآن الكريم (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)، فقد يكون أحد مسببات هذا السلوك (الكُره) ناتج من عدم التوافق الفكري، وقد أمرنا بالصبر لكن قد يغني عن كل ذلك السعي للبعد عن كل مسببات هذا التباعد والكره باختيار المناسب من الزوجين وبقدر كبير من التوافق والانسجام الفكري والثقافي، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) وهذا في جانب الترغيب والحث". وأشار إلى أن مثل هذا الزواج له إيجابياته الغالبة على سلبياته، ففيه تحقيق جُملة من المصالح الدينية والدنيوية، إذ إن التوافق الفكري من عوامل التقارب والتوافق في الحياة الزوجية، ولذلك تكلم الفقهاء عن الزوج الكفؤ، وعن مهر المثل، إلى غير ذلك من المسائل التي مقصودها الحرص على ديمومة الزواج واستمراريته، وكل ما يوصل إلى هذا المآل يستوجب كل فعل لتحصيل مقصده الصحيح، مبيناً أن النضج الفكري يتيح القدرة على استيعاب الأفكار وتفهمها من دون مصادمتها، منوّهاً أن اشتراك الزوجين في ذات التعليم أو المهنة أو كليهما مجتمعة يزيد من نقاط التوافق بين الزوجين؛ لأن كلا منهما سيتفهم ظروف الآخر، وهذا من شأنه أن يحُد من الخلافات الزوجية التي تنشأ بين بعض الأزواج نتيجة عدم تقدير الظروف للآخر.