يتحدث الكثيرون عن الفساد المصاحب للمشاريع المتعثرة أو المتأخرة، وهناك جهود لا بأس فيها بدأت مؤخرا للتعامل مع هذا الملف، ولكن الإعلام يركز كثيرا على هذا الجانب ولا يتناول بذات التركيز جانباً خطيراً آخر وهو أنه قد يكون هناك فساد أكبر مصاحب للمشاريع التي يتم تنفيذها أو تسريعها ، متمثلا في جانبين رئيسين هما : الأول : أن تكلفة التنفيذ المعلنة قد تكون أكبر بكثير من التكلفة الحقيقية ما يجعل من يقرأ أخبار ترسية بعض المشاريع " المليارية " يقترب من التلفزيون أو الصحيفة أكثر ليقرأ الرقم هل هو بالمليون أم بالمليار . الجانب الثاني : أنه يكون هناك حاجة ماسة لمشروع معين يفترض أن تقوم به جهة معينة ، ولكنها لأسباب لا يعلمها إلا الله ثم المتنفذون في تلك الجهة تقوم بتنفيذ مشاريع أخرى أقل أهمية وليست ذات أولوية للمواطن، ولا أريد ذكر أمثلة لان القضية قضية عامة وتمارسها العديد من الجهات بدرجات متفاوتة . ومن يطالع آليات ترسية المشاريع منذ مرحلة اختيار المشروع المراد تنفيذه وإعداد كراسة الشروط والمواصفات حتى المرحلة الأخيرة وهي منح شهادة الانجاز وتسليم الدفعة الأخيرة يجد أن هناك مئات التعاميم والقرارات الرسمية التي تستهدف ضبط هذه الآليات الصادرة من الجهات العليا ووزارة المالية والجهات الرقابية "العديدة " والجهة نفسها إضافة إلى نظام المنافسات والمشتريات الحكومية ولائحته التنفيذية التي لم تترك شاردة ولا واردة في مختلف مراحل ترسية وتنفيذ المشاريع إلا وتطرقت لها . ولكن هذا الكم الهائل من " الاوراق " لم يضبط العملية بالشكل الأمثل بقدر ما " عقدها " وحد من المرونة والسرعة المطلوبة في إنجاز المشاريع ذات الأولوية الحقيقية للوطن والمواطن . وأرى أن تغيير النظام الذي يتم التحضير له حاليا لا يكفي أبدا، إذ لا بد من المحاسبة الحازمة والمعلنة للمسئول عن أي تجاوز مقصود في ترسية المشاريع، وقبل ذلك كله من الضروري التفكير برؤية جديدة في تنظيم المسألة برمتها، ومراجعة الدور الذي تقوم به وزارة المالية في تحديد المشاريع لكل جهة حكومية، ومقدار الصرف عليها، مع ضعف دور وزارة الاقتصاد والتخطيط وعدم الاعتماد على خطط تنموية فعالة، وضعف الاستجابة لاحتياجات تنمية كل منطقة من مناطق المملكة والتي تعرفها إمارات تلك المناطق بشكل أفضل من الوزارات التي تعرض المشاريع المطلوبة لتبت فيها وزارة المالية والتي يتمنى الكثيرون أن تنفتح على الآراء الأخرى ولا تتمسك برأيها و" أدوارها"، رغم اتفاق معظم المتخصصين على ضرورة التغيير .