فئة من الناس يعانون الفقر وضيق ذات اليد.. حظوظهم في الرزق قليلة والتوفيق لم يكن في كثير من الأحيان حليفهم.. تكدست العثرات في مسيرة حياتهم وصدمتهم المعوقات.. وعلى الرغم من حالة الفقر والبؤس والنكد، إلاّ أن هذا الواقع لم يشفع لهم أخذ برهةً في حياة السعداء، حيث لازمهم النحس كالسوار في المعصم لا فكاك إلاّ أن يشاء الله، يريدونها يميناً فتأتي على غير ما يريدون، فأصبح ينطبق عليهم ما قيل «فقر وغلدمة» دون أن يسألون الناس إلحافاً، ودون أن يقدموا «معاريض» تسول وتوسل ولا يتقاطرون على أبواب الأغنياء والمحسنين، ولا يضعون أنفسهم موضع نظرة أو عبارة قاسية.. نفوسهم كبيرة وحيائهم ليس له حدود.. هؤلاء هم من يجب البحث عنهم والتقصي عن أحوالهم وأكثر من ذلك يجب أن تصلهم المساعدة مجللة بالستر وعدم المنّة والصخب، خاصة في مواسم رمضان والعيدين والمدارس. فئة «لا تسأل الناس إلحافاً» تنتظر مساعدة المحسنين «سكيتي» قبل رمضان جهود مشتركة ربما يتساءل البعض كيف السبيل إلى تجنيب هؤلاء الناس حالة الفقر والبؤس التي تلازم حياتهم والانتقال بهم إلى حالة عيش رغدة كالآخرين، أو على الأقل الوصول بهم إلى مرحلة الكفاف والستر، لتأتي الإجابة أن أهم ما يمكن أن يكون وسيلة مُثلى للقضاء على الفقر وتحسين أحوال هؤلاء وغيرهم هو العمل بجدية والاعتماد على النفس، وقبل ذلك التوجه إلى الله والتوكل عليه، هذا بالنسبة للأشخاص الذين لم تدركهم الشيخوخة ولديهم الصحة البدنية والاعتمادية العقلية، أما من يعاني غلبة الشيخوخة أو الإعاقة أو انقطاع العائل من الرجال والنساء والأطفال ومن في حكمهم فإن الدولة وفقها الله وضعت برنامجاً متنوعاً يواسي أحوال مثل هؤلاء عبر جهود "وزارة الشؤون الاجتماعية"، من خلال الجمعيات الخيرية التي تشرف عليها الوزارة، إلاّ أن تلك المبادرات الكريمة عبر تلك الجهات قد لا تكفي بعض الأسر الفقيرة في مواجهة متطلبات الحياة المتزايدة والمتنوعة، وبالتالي لابد من تضافر الجهود نحو هذه الشريحة من المجتمع. رؤية مستقبلية ويؤكد المعنيون بدراسة حالات الفقر والفقراء على أن السبيل الأفضل للقضاء على الفقر وعدم توريثه يأتي، من خلال الاهتمام بالعلم والتعلم، وكما قيل "العلم يرفع بيتاً لا عماد لها والجهل يهدم بيت العز والشرف"، لكن على الرغم من أن هذا الرأي في شأن القضاء على الفقر يعد منطقياً للخروج من عثرته كحالة مستدامة، إلاّ أن هذا التنظير لا يمكن أن يكون بين طياته حل سريع في توفير لقمة عيش لأفواه جائعة من الأطفال والنساء ينتظرون ما يسد رمقهم على مائدة غداء أو عشاء أو سداد فاتورة كهرباء أو هاتف أو ماء أو علاج وغير ذلك من متطلبات ومستلزمات الأسرة الآنية.. ومن هنا يأتي دور تعزيز التكافل الاجتماعي بمعانيه السامية ووسائله الممكن من خلالها الوصول إلى تلك الأسر الفقيرة التي لا تسأل الناس إلحافاً وتتجنب أن يظهر عليها مظاهر نقمة الفقر والبؤس. حث على المساعدة في البداية، أكد "د.فهد المطلق" -مدير عام الشؤون الاجتماعية بمنطقة القصيم- على أن فرع الوزارة بالقصيم يحث المجتمع على تقديم المساعدة للفقراء والمحتاجين من خلال الجمعيات الخيرية المصرحة بالمنطقة، حيث تضم تلك الجمعيات قاعدة بيانات عن الأسر الفقيرة والمحتاجين، ولديها معرفة بحالات هذه الأسر وما يحتاجونه من مساعدات سواءً مالية أو عينية، ويتم توزيعها على المحتاجين بعد جمع المعلومات والتحري عن أوضاع تلك الأسر المادية من خلال المتابعة الميدانية، مشيراً إلى أن المملكة تضم (623) جمعية خيرية، منها (59) في القصيم. وقال: "يتم توثيق بيانات هذه الجمعيات الخيرية، وإعداد دليل يحتوي على البيانات الأساسية للجمعيات الخيرية، وتوزيعها حسب مناطق المملكة المختلفة، إلى جانب عناوينها لتسهيل وصول المحتاجين إلى هذه الجمعيات من قبل الداعمين الذين يرغبون بالتبرع لهذه الجمعيات". وانطلاقاً من دور الجمعيات الخيرية في التواصل مع الأسر الفقيرة والمحتاجة للرفع من مستواها المعيشي من خلال التدريب والتأهيل وتحفيزها على العمل، كشف "د.المطلق" أن "الشؤون الاجتماعية بالقصيم" دعمت (59) جمعية خيرية في القصيم بأكثر من (47) مليون ريال خلال عام 1432ه، بهدف تطويرها فيما يتعلق بالتدريب والبرامج وتطوير أجهزة الحاسوب والاهتمام بالأسر المنتجة. معايير فقر وذكر "د.عبدالعزيز الشاوي" -مدير المركز الخيري ببريدة- أن سلامة المجتمع ومتانة نسيجه وترابط طبقاته ومكوناته من أهم مسؤوليات مؤسسات العمل الخيري والاجتماعي، حيث يأتي الفقر في طليعة أولوياتها لما يخلفه من آثار ضارة على الفرد والمجتمع، مبيناً أنه يصعب تحديد معايير موحدة للفقر؛ لاختلاف المجتمعات البشرية وتنوع ثقافاتها، إلاّ أن هذه القضية ظلت هاجساً مشتركاً وهمّاً يشغل بال الكثيرين. وقال: "إننا في المجمع الخيري ببريدة عملنا على توظيف خبرات المختصين والاستفادة من مميزات البحث العلمي للوصول إلى نتائج سليمة ومنطقية عن وضع مجتمع البحث عبر دراسة امتدت لستة أشهر عمل عليها عدد من أساتذة الجامعات والخبراء الاجتماعيين وفق مؤشرات محددة تساعد في الوصول إلى معايير الفقر والاحتياج، منها متوسط دخل الفرد، والمسكن مُلك أم إيجار، إلى جانب حالته إن كان مُلكاً ومقدار الأجرة إن كان غير ذلك، إضافة إلى عدد أفراد الأسرة وحالتهم الصحية، وتم على اثر ذلك إعداد نموذج استمارة مبني على عدة نقاط يقابلها درجة توضع، ومن ثم يتحدد مستوى الحاجة ومقدار المساعدة المستحقة". وأضاف:"ضماناً لسرعة الإنجاز ودقة النتائج تم تحويل الاستمارة إلى برنامج الكتروني صُمم خصيصاً لمساعدة الباحثين وتسهيل مهمتهم، ويعمل البرنامج على تصنيف الحالات إلى فئات وفقاً للنسب المئوية التي حصلت عليها، وتتم الموافقة على الطلب أو رفضه إلكترونيا، وهو ما يعزز جوانب الشفافية والعدل والوضوح مع تحييد عنصر الخطأ البشري". وبيّن أن الجمعيات بالإضافة إلى دورها في إيصال زكوات وصدقات الموسرين إلى المحتاجين، اتجهت مؤخراً إلى تأهيل الأسر والأفراد الواقعين تحت خط الفقر، وتفعيل دورهم المنتج في المجتمع في خطوة تهدف إلى استغنائهم عن الغير من خلال تحويلهم من مستوى "السؤال والاستجداء" إلى "البذل والعطاء"، منوهاً أن "المجمع الخيري منذ إنشائه وهو يحمل هذا الهم، ويعمل على أداء هذه الرسالة عبر تقديم دورات تأهيلية لنساء الأسر وتحفيز شبابها ومساعدتهم على الإلتحاق بدورات تدريبية وتطويرية للذات بالتنسيق مع الجهات المعنية، ومن ثم الحصول على فرص عمل ملائمة. وشدد على أن وجود مراكز للبحوث والدراسات الخاصة بالفقر وعلاج مشكلات المجتمع يعد من الضرورات الحتمية التي فرضتها معطيات العصر ومتغيراته، ذاكراً أن العمل المبني على أسس علمية وتخطيط سليم وفق بحوث ميدانية واستقرائية يمتلك مقومات أكبر للنجاح وأداء رسالة القائمين عليه والجمعيات التي يمثلونها، وهذا ما سعى "المجمع الخيري" إلى ترسيخه كأحد المفاهيم التي يعتمد عليها في ممارسة العمل الخيري عبر تشجيع ودعم البحوث والدراسات المتخصصة في هذا المجال بالتعاون مع المؤسسات التعليمية والأكاديمية المعتبرة. ونبّه أن التسول ظاهرة لا تختص بفئة أو جنسية معينة، بل هي نتاج لمسببات متعددة أهمها مستوى الثقافة والتعليم، وبعد الرجوع إلى الجهات المختصة في "وزارة الشئون الاجتماعية" كمكافحة التسول تبين أن نسبة المتسولين غير السعوديين تجاوزت (83٪)، مشيراً إلى أن "المجمع الخيري" يعمل على التحقق من مدى حاجة طالب المساعدة عبر آليات دقيقة، كما يسعى للوصول إلى المتعففين عن السؤال وإيصال المساعدات لهم.