بدأت في الجزائر الاحتفالات بالذكرى الخمسين لاستقلال البلاد عن الاستعمار الفرنسي في أجواء غلب عليها البذخ رغم الدعوات لترشيد الإنفاق. وأعلن استقلال الجزائر البلد الغني بالنفط والغاز رسميا في الخامس من تموز/يوليو 1962 ، بعد استعمار فرنسي استمر منذ 1830 وحرب تحريرية انطلقت عام 1954. وأشرف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ليلة الأربعاء/الخميس على انطلاق الاحتفالات الرسمية من خلال حضوره لعرض فني يجسد ملحمة تاريخ الجزائر بمركز الفنون ل"سيدي فرج" غربي العاصمة الجزائر في حضور كبار مسؤولي الدولة وأعضاء الحكومة وكذا شخصيات تاريخية بالإضافة إلى ممثلي السلك الدبلوماسي المعتمد بالجزائر. وأنجز العرض الفني الذي حمل عنوان "أبطال القدر،عيد المجد"، المبدع اللبناني عبد الحميد كركلا وشارك فيه أكثر من 500 فنان جزائري وعدد من التقنيين الأجانب. وتناول العرض الذي استمر نحو ساعة ونصف مختلف مراحل المقاومة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي وكذا الانجازات التي تم تحقيقها منذ الاستقلال. وحضر بوتفليقة بعد نهاية العرض جانبا من استعراض الألعاب النارية الذي تم إطلاقه في حدود منتصف الليل انطلاقا من بوارج البحرية الجزائرية التي كانت راسية قرب ميناء سيدي فرج الذي دخلت منه القوات الفرنسية الغازية إلى الجزائر. وعاشت الولاياتالجزائرية الأخرى ال47 تقريبا نفس مظاهر الاحتفال ، حيث أقيمت مهرجانات فلكلورية وغنائية بعضها حضرها فنانون عرب ككاظم الساهر ونجوى كرم واليسا، إلى جانب إطلاق للألعاب النارية بالساحات العامة. وتكفلت شركة صينية ببرنامج الألعاب النارية وتلقت مقابل ذلك ملايين الدولارات. فيما لم تكشف السلطات عن المبلغ الحقيقي الذي رصدته لهذه الاحتفالات التي تستمر حتى الخامس تموز/يوليو 2013 ، وإن كانت مصادر غير رسمية تتحدث عن أكثر من 200 مليون يورو. وبمناسبة هذه الاحتفالات أقر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مرسومين رئاسيين يتضمنان إجراءات عفو جماعي ، واستثنى من هذه الإجراءات السجناء المحكوم عليهم لارتكابهم أو محاولة ارتكابهم بعض الأعمال المتعلقة بالإرهاب. وتلقى الرئيس بوتفليقة برقيات تهنئة من ملوك ورؤساء عشرات الدول بمناسبة خمسينية الاستقلال. كما أعلنت الجهات المختصة مجانية النقل بالعاصمة الجزائر من الرابع من تموز/يوليو حتى السادس من نفس الشهر ، بهدف تمكين اكبر عدد من المواطنين من حضور مختلف النشاطات الاحتفالية التي أعدت للمناسبة. والجزائرليست أكبر دولة في أفريقيا فقط بل أسعدها، على الأقل بحسب بيانات معهد بريطاني للأبحاث الذي وضع البلاد على قمة دول القارة من حيث مستوى سعادة شعبها، وذلك ضمن مؤشر "هابي بلانيت اندكس" لأسعد بلدان الأرض. وكان الأصل أن تكون مناسبة مرور 50 عاما على استقلال الجزائر عن فرنسا سببا آخر لسعادة مواطنيها. نالت الجزائر استقلالها بعد العديد من الثورات الدموية والحروب ضد المستعمر الفرنسي الذي احتل البلاد 132 عاما. بهذه المناسبة يرفرف العلم الجزائري ذو الألوان الأخضر والأبيض والأحمر في شوارع العاصمة الجزائر. ولكن الكثير من الجزائريين يرون أن هذه المظاهر التي تبدو على الجزائر ليست حقيقية وإن الهوية التي وحدت شعب الجزائر قبل خمسين عاما صارت تعاني اليوم من فجوة على مستوى المجتمع الجزائري. فبينما تتذكر الأجيال الكبيرة في السن مناضلي الحرية ومئات الآلاف من الشهداء الذين سقطوا عبر أكثر من سبع سنوات من حرب الاستقلال، ترى الأجيال الأصغر سنا أن التطورات الديمقراطية في المنطقة قد تجاهلتهم. ويبدو أن "الربيع العربي" الذي بدأ في تونس قد تجاوز الجزائر دون أن يقف عندها، وهو ما يجعل الأمل في المزيد من المشاركة في تقرير المصير والازدهار الاقتصادي يتبدد بالنسبة للكثير من الشباب والمثقفين والعلماء وممثلي المعارضة في الجزائر. لذلك فإن الشاب طاهر بلباس المتحدث باسم اللجنة الوطنية لحقوق العاطلين عن العمل لا يرى ما يدعو للاحتفال ويعتزم رفع راية سوداء والتجول بها في شوارع العاصمة الجزائر بدلا من رفع العلم الجزائري وذلك للتعبير عن غضبه. وفي اشارة لذلك، قال الشاب الجزائري: "نريد أن نعبر عن ازدرائنا لموقف الدولة وأن نتظاهر ضد البطالة والظلم والمافيا التي تحكمنا..". أما علال م./69 عاما/، محارب سابق في حرب الاستقلال ، فيرى أن بلاده تنحو منحى إيجابيا رغم الانحرافات المتعددة للحكومات المتعاقبة مضيفا:"أليس الأصل أن نعيش في حرية وأن يتاح التعليم لأبنائنا؟". ويراهن شمس الدين شيتور، خبير الطاقة والأستاذ السابق في الجزائر، على أخلاق العمل والتعليم كطريق للوصول لمستقبل أفضل حيث يقول:"لنسلك الطريق الوعر للمعرفة والعلم والجهد وستصبح الجزائر خلال عشرة أعوام إن شاء الله بلدا متطورا يمكن العيش فيه". كانت هناك آمال كبيرة في حدوث تحول أكبر قبل نحو عام ونصف عندما احتج العديد من المتظاهرين على ارتفاع أسعار السلع الغذائية وزيادة نسبة البطالة بين الشباب ووضعوا المتاريس في الشوارع خلال تظاهرهم، غير أن هذا الاحتجاج سرعان ما انتهى. فمن ناحية ، تمتلك حكومة الجزائر أموالا هائلة بفضل عائدات النفط التي تستطيع من خلالها تهدئة الشعب بخفض الأسعار، ومن ناحية اخرى فإن الكثير من الجزائريين يخشون تكرار الصراع الذي وقع في تسعينيات القرن الماضي بين مقاتلين وأنصار للحكومة والذي أودى بحياة مئة إلى مئتي ألف شخص حسب التقديرات المختلفة. لقد سممت هذه الحرب الشعبية وبشكل مستديم علاقة الجزائريين بالثورات. كما أن عملية التصالح الوطني التي أعقبت هذه الحرب وقادها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي يحكم منذ أكثر من عشر سنوات جلبت له مجدا لا يزال ينهل منه حتى اليوم.