في أحيان كثيرة تعود بنا الذاكرة الى أيام الطفولة فنصاب بالدهشة من معرفة الناس في الماضي بأمور لم نسمع بها سوى في الحاضر ... أذكر مثلا أنني أصبت في طفولتي بوعكة صحية فادعى البعض إصابتي بعين "ماصلت على النبي".. وبدل استدعاء شيخ يقرأ عليّ استدعت جدتي جارة أصلها من أوزباكستان كتبت كافة الأسماء المشكوك فيها على ورقة بيضاء ثم بدأت تخرم بالدبوس (على كل اسم على حدة)أثناء سردها أنشوده طويلة بلغة غير مفهومة !! ... ورغم أنني لا أدعي شفائي بسبب أسلوبها الغريب في "كسر العين" إلا أنني أستغرب من تشابه هذا الفعل مع ما أعرفه عن ممارسات الفوودو... فالأفارقة الذين نقلوا كعبيد إلى هاييتي نقلوا معهم بعضاً من ممارسات المشعوذين المعروفة بهذا الاسم .. فبازدهار تجارة العبيد في القرنين الماضيين انتقل الفوودو إلى هاييتي وجاميكا وجزر البحر الكاريبي . وهناك حصل انسجام غريب بين طقوسه وطقوس الديانة المسيحية (حتى قيل ان 70% من سكان هاييتي كاثوليك و30% بروتستانت و100% من أتباع الفوودو ). وبين عامي 1791 و1804 لعب الفوودو دوراً مهماً في نضال سكان هاييتي ضد الاستعمار الفرنسي؛ فقد أعطاهم دفعة معنوية قوية لاعتقادهم بأن "أرواح الأجداد" تساندهم في النضال . ومع هذا لم تتجرأ أي حكومة على اتخاذه كديانة رسمية خوفاً من الفاتيكان (أولا) ولسمعته السيئة (ثانيا) !! غير أن رئيس هاييتي (جون باراستيد) كان شديد الإيمان بقوة الفوودو فأعلن اتخاذه ديانة رسمية للبلاد . وهو أمر يثير الاستغراب كون الفوودو حسب علمي على الأقل ليس ديانة بل طقوس سحرية وادعاءات تقمص في اسم أو دمية أو أحد المتعلقات الشخصية.. وهذا تحديدا مايعطي السحرة في المجتمع الهاييتي هيبة واحتراماً عظيمين، وغالبا ما يعين رئيس البلاد كبير السحرة كمستشار خاص الأمر الذي يعطيه شخصياً سلطة معنوية كبيرة .. والكلمة في أصلها أفريقية وتعني "روح" أو "تقمص الروح" وهو مايعبر بدقة عن الفوودو واعتماده على فكرة اتصال الأحياء بالأرواح وطلب المساعدة منهم.. أما الجانب المشهور فيه فهو استعماله للإضرار بالآخرين بطريقة لاسلكية . وسكان هاييتي بالذات يعتقدون أن اغتيال الرئيس الأمريكي كينيدي (في الستينات) تم بواسطة الفوودو؛ فقبل اغتياله بفترة بسيطة قامت المخابرات الأمريكية باغتيال رئيس هاييتي فرانشيسكو دوليفار. وحين خلفه ابنه (كلود دوليفار) قرر الانتقام لوالده وقتل كينيدي الذي أجاز العملية . وتقول الرواية الشائعة ان دوليفار الابن جمع أفضل سحرة الفوودو ووعدهم بمكافأة كبيرة ان نجحوا في القضاء على كينيدي . وحين تم اغتياله اغتبط دوليفار وعيّن ساحراً مغمورا يدعى بارار (رأى انه نجح في المهمة) مستشاراً خاصاً له !! وأهم طريقة يلجأ إليها سحرة الفوودو هي صنع دمية بهيئة الضحية (وأحياناً يكتفون بكتابة اسمها) ثم يقومون بإحراقها أو وخزها بالدبوس لإيذائها أو إبطال سحرها.. كما يجرون طقوساً معينة تضمن (حسب اعتقادهم) حلول روح الشبية في جسد الدمية وحبسها بالداخل.. وحين يتم ذلك يحرقون الدمية أو يكسرون رجلها أو يشقون بطنها فيظهر تأثير ذلك على الضحية مهما كانت بعيدة!! .. على أي حال؛ ... لاحظوا؛ أنني لم أدع إطلاقاً معرفة جارتنا الأوزبكية ب"الفوودو" ولكنني فقط تعجبت من تماثل أسلوبها معه في زمن تميز بالبساطة وشح المعلومة!