أحرص على تقبيل أطفالي والحديث معهم قليلا قبل النوم .. وغالبا ما أبدأ بغرفة البنات - قبل الأولاد - كونهن يستغرقن بالنوم بسرعة أكبر . وفي الفترة الأخيرة لاحظت حرصهما على إخراج الدمى والعرائس والألعاب المجسمة من غرفتهما ليلا . وفي البداية لم أعر الأمر اهتماما حتى سألت رسيل (في الثاني ابتدائي) عن سبب إخراج دمى باربي من الغرفة فقالت : تقول المعلمة إن الشيطان يدخل في جسمها ويجعلها تتحرك أثناء نومنا ... وهنا قاطعتها مياس (في التمهيدي) : وأنا أراهم دائما يرقصون ويتحركون في الغرفة فأغمض عيني (بقووووة) حتى الصباح ! ... وحين سمعت هذا الهراء احترت في كيفية إفهامهن بعدم منطقية هذا الادعاء - بل ومخالفته للمفهوم الإسلامي عن التجسد وخصوصية الروح .. فإمكانية تحرك احدى الدمى - بسبب دخول شيء في جسدها - أمر غير صحيح ويخالف حقيقة أن (نفخ الروح) قدرة خاصة بالله وحده.. أضف لهذا ان دمى الأطفال مُهانة بطبعها ولا تحظى بأي نوع من التقديس - كالتماثيل الدينية أو التاريخية مثلا - وبالتالي يجوز اقتناؤها واللعب بها (اعتمادا على ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه فيسر بهن إلي فيلعبن معي) ! .. وفي المقابل ترتبط ادعاءات تلبس الدمى (وتجسد الأرواح فيها) بمعتقدات شركية وسحرية عالمية كثيرة .. فنحن نعرف مثلا أن معظم الديانات تؤمن بإمكانية حلول الأرواح وتجسد الصالحين في التماثيل الخاصة بهم .. فحين يُصنع تمثال لبوذا أو مريم أو عيسى المسيح لا ينظر إليه ك رمز ديني فقط بل (وكأداة) لاستقطاب الروح المعنية وطلب العون والمغفرة منها ... ويمكن القول إن هناك اعتقاداً عالمياً مشتركاً بأن الدمى والتماثيل - المتجسدة بشكل انسان أو حيوان - تعمل بمثابة مغناطيس يجذب إليها الأرواح الشريرة والصالحة على حد سواء .. فهناك مثلا ممارسة سحرية تدعى "الفوودو" تنتشر في هاييتي وغرب أفريقيا وجزر الملايو هدفها الإضرار بالآخرين عن بعد. وغالبا ما يلجأ سحرة الفوودو الى صنع دمية بهيئة الضحية يجرون عليها طقوساً تنتهي (حسب اعتقادهم) بحلول روح رديفة في جسد الدمية وحبسها بالداخل .. وحين يتم ذلك يحرقون الدمية او يكسرون رجلها أو يشقون بطنها مفترضين ظهور نفس التأثير على الضحية مهما كانت بعيدة! .. والعجيب فعلا أن الإيمان بتلبس الأرواح - في الدمى والتماثيل - موجود حتى في المجتمعات الغربية المتقدمة (وليس أدل على هذا من العدد الهائل للكتب والروايات والأفلام التي تدور حول هذا الموضوع).. وكنت شخصيا قد صادفت دمى كثيرة معروضة للبيع (على موقع المزادات e-Bay) يدعي أصحابها أنها مسكونة بأرواح خيرة أو شريرة .. كما سبق ودخلت منتدى خاصاً بالخوارق يتضمن قسما يناقش فيه الزوار تجاربهم مع الدمى المسكونة أو التي تلبسها الشيطان (وما أدهشني فعلا هو الثقة في الطرح والجدية في النقاش من قبل المشاركين في المنتدى)!! .. كل هذا يقودنا للتأكيد على أن تلبس الشياطين بالدمى والتماثيل - أو قدرتها على استقطاب الأرواح الجيدة أو الشريرة - هي فكرة سحرية وشركية لا تمت للدين أو العقل بصلة .. وحين نأخذ جولة حول العالم تذهلنا كثرة الادعاءات حول إمكانية تلبسها بالأرواح الشريرة - ويذهلنا أكثر تبنى بعضنا لهذا الرأي رغم السماح لعائشة باللعب بعرائسها الصغيرة!