مناشدة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية للجميع «أن يضعوا حداً لقيادة المرأة للسيارة وأن لا نجعلها قضية بين فئة وأخرى» هو الذي دفعني حقيقة لأمسك القلم وأخط عن هذا الموضوع الشائك وأقول شائك لأن المتتبع لما طرح عن هذا الموضوع يجد العجب العجاب بين محرم لها أن تقود السيارة ومحلل لها وكل فريق يورد من الأدلة ما يريد أن يثبت دعواه وأنه هو الصواب والآخر خطأ وهذا الأمر شأنه شأن كثير من الموضوعات الخلافية والتي أشبعها الكتاب طرقاً فقد كان الراديو والتلفزيون والوسائل الاتصالية الأخرى ومدارس البنات وغيرها من الأمور التي انسحبت عليها ما ينسحب الآن على موضوع قيادة المرأة للسيارة وقد وصل ببعض المدافعين عن عدم قبول الجديد في المجتمع إلى اعتبار الراديو أو الجوال ذي الكاميرا من الأمور المحرمة فسماحة الشيخ عبدالله بن جبرين قد حرم بيع وشراء هذه الجوالات انظر مثلاً فتواه التي نشرتها الحسبة في عددها رقم 60 في رمضان - شوال 1425ه، الصفحة الرابعة عشرة. وهذه النظرة يجب أن تحترم وأن تقدر لأن صاحب هذا الرأي نظر بزاوية تختلف عن الزاوية التي نظر بها من حلل الراديو أو مدارس البنات وهي نظرة يجب أيضاً أن تحترم وتقدر لأن التحريم أو التحليل جاء من مصادر بشرية وذلك لعدم وجود نصوص واضحة في التحريم أو التحليل لمثل هذه الأمور المذكورة آنفاً ولهذا فهي شأن اجتماعي بحت والأمور التي لم يرد فيها نص واضح وصريح تركت للناس يقررون فيها ما يرون مثلها مثل قضية تأبير النخل في المدينة عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنتم أعلم بشؤون دنياكم». ولعلماء الأصول وقفات كثيرة في مثل هذه الموضوعات حيث جاء في الأمر «الأصل في الأشياء الحلال ما لم يرد نص» لأن قضية التحريم والتحليل شأن إلهي نص عليه القرآن في قوله تعالى {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله} الآية. وحيث إننا نعيش في هذا العصر الذي اختلفت فيه الموازين العلمية وأصبحنا في عالم متقارب وما يحدث في أي بلد نجده ينتقل وبسرعة فائقة إلى بلدان العالم الأخرى بلمحة بصر والسعودية بلد قيادي بحكم موقعها وثقلها الديني والمالي والثقافي وهي مؤثرة في الآخرين ومتأثرة بهم وهي على حسب علمي المتواضع الدولة الوحيدة في العالم التي لا يوجد في نظامها ما يمنع أو يجيز قيادة المرأة للسيارة ولهذا فالحاجة ماسة إلى دراسة هذه القضية دراسة علمية فليست القضية هي فقط قيادة ولكنها أكبر من ذلك، حيث إن هناك ضرورة لمعرفة الفوائد والخسائر بكل أشكالها وألوانها وكذلك معرفة النظم واللوائح المنظمة لها فكثير من النساء السعوديات يحملن رخص قيادة من عدد من الدول العربية والإسلامية والعالمية أي أن بعضاً من النساء السعوديات يقفن خلف المقود وقد شاهدت بأم عيني كما شاهد غيري عدداً من النساء السعوديات يقدن السيارة في الصحراء داخل المملكة منذ سنوات عديدة. أي أن القيادة للسيارة من قبل المرأة موجودة ولكنها تحتاج إلى تأطير ودراسة المخاوف مهمة جداً فالمملكة العربية السعودية تعاني من المشاكل المرورية والتي هي الأخرى تحتاج إلى تطوير وقد ذكرت في جريدة الاقتصادية ما هو الواجب على وزارة المالية في دعم المرور ليتمكن من مواكبة التطور السريع الذي تعيشه المملكة فيمكن أن يكون الدخل المروري من المخالفات ببلايين الريالات سنوياً وهذا لا شك سوف يضيف إلى الدخل العام في المملكة. هذا وقد أشار أحد طلاب الدراسات العليا في جامعة الملك سعود إلى أنه قام بمراقبة عدد الذين يتجاوزون الإشارة الحمراء لمدة ساعة في الحرم الجامعي ووجد أن هناك حوالي خمسين مخالفة لقطع الإشارة هذا عند إشارة واحدة وفي الجامعة فما بالك بالإشارات الأخرى على مستوى مدينة الرياض أو في أي مدينة على مستوى المملكة. وكمثال آخر انظروا إلى جحافل السائقين في بعض البيوت حيث يوجد أكثر من مليوني سائق وهم من مختلف الديانات الكتابية وغير الكتابية والسؤال هل نثق في هؤلاء الشباب الذين يدينون بغير ديننا ولا نثق في شبابنا الذين ربيناهم على احترام الأم والأخت والبنت، ربيناهم على الاهتمام بالجار لو جار، ربيناهم على غض البصر للرجل قبل المرأة في قوله تعالى {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن}. إن دعوة صاحب السمو الملكي وزير الداخلية ومناشدته الجميع هي المنطلق الذي يمكن أن تنطلق منه هذه الدراسة والتي يمكن أن تعود بالنفع على المجتمع فموازنة الإيجابيات والسلبيات هي التي تجعل المجتمع يقرر في هذا الأمر وهي دعوة يمكن أن تقوم بها مراكز البحث العلمي في إحدى الجامعات السعودية أو أن يقوم بها مجلس الشورى الموقر. إن كاتب هذه السطور لا يدعي أنه أول المنادين بدراسة هذا الأمر فقد سبق لعدد من الكتاب سواء في هذه الجريدة الغراء أو في غيرها إلى طرح فكرة الدراسة للخروج بتصور معين يخدم المصلحة العامة والتي يقدرها جميع فئات المجتمع السعودي وأطيافه. ٭ أستاذ الأصول التربوية المشارك جامعة الملك سعود - الرياض