في أول يوم قابلت فيه سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز قبل (33) عاماً في عام 1400ه كان في رحلة خاصة للباكستان وقتها كنت طبيب امتياز بعد حصولي على درجة البكالوريوس في الطب والجراحة. ذهبت للسلام عليه برفقة الملحق الثقافي السعودي الأستاذ/ إبراهيم أبو غانم. وبمطار يعقوب أباد وجه سمو الأمير محمد بن نايف بإعطائنا سيارة خاصة مع سائق لمرافقة سمو الأمير نايف. وفي الطريق للمخيم الرئيسي أعدت جلسة لسمو الأمير نايف لاستراحة قصيرة لشرب القهوة والشاي. وفي هذه الجلسة سألني عن اسمي وكان بجانبه سمو الأمير محمد بن نايف وسلطان الدحام ونايف الهباس، فأجبته باسمي كاملاً وإذ به يقول لي بأن والدك صديقي فكانت هذه الكلمات وساماً ونبراساً حملته على صدري وقد أخبرت والدي رحمه الله بذلك وقال لي نعم إنني أعرفه منذ (50) عاماً وبيننا علاقة عمل تربطني بهذا الرجل الحكيم الإنسان. وفي ذلك اللقاء أحسست بأن سمو الأمير هو أب حنون وعطوف يجعلك ترتاح له في لحظات. وبعد رجوعي للرياض وبدأت العمل في المستشفى كطبيب عام في الأمراض الباطنية، زرت الأمير نايف في قصره للسلام عليه وبعد الوداع جاءني أحد المرافقين لسمو الأمير وقال لي بأن الأمير نايف سوف يسافر إلى رحلة خاصة إذا كان تقدر ترافقه في هذه الرحلة. فكدت أطير من الفرح . وقد رافقته عدة سنوات كانت من أمتع سنوات حياتي بأن أتعلم من هذا الرجل ما لم أتعلمه طيلة أيام دراستي، تعلمت منه الحكمة، الأبوة، الإنسانية، الصبر، الدبلوماسية، والتاريخ. حيث كنا نجلس مع سمو الأمير في البر وبعد منتصف الليل ويشرح لنا كيف دخل الملك عبدالعزيز الرياض وكيف بدأ حياته ومتى تزوج وكيف كان شعوره عند ولادة ابنه الأكبر سعود ومتى ولد الأمير سعود بن نايف وكنا لانتجاوز أعداد أصابع اليد الواحدة حتى صلاة الفجر وفي أحد السنين كنت مرافقاً لسمو الأمر نايف خارج المملكة ووصلني اتصال من الرياض بأن رزقك الله بمولود، فطلبت من والدي رحمه الله بأن يسميه عبدالله على اسم والدي ولكن الوالد رحمه الله أجابني بما أنك الآن مع سمو سيدي الأمير نايف سمي اسم المولود باسم الأمير نايف فهو والد الجميع وفعلاً أجبت طلبه فهذا الإنسان يحسسك بأنه والد الجميع. وعند رجوعي للرياض وجدت ابني نايف قد أعياه المرض من تليف خلقي بالكبد. وأمر الأمير نايف بعلاجه في أحسن المراكز الطبية بالعالم بولاية بنسلفانيا بجامعة بتيسبرج بأمريكا وعمل له عملية زراعة الكبد. واتصلت بسمو الأمير نايف بعد العملية وأخبرته فبدأ يسألني عن صحة الابن وهل العملية ناجحة. وطمأنته بذلك. وقد اتصلت أيضاً بسمو الأمير محمد بن نايف وطمأنته على نجاح العملية وأخبرني سمو الأمير محمد بما أنك موجود مع ابنك بأمريكا اقترح عليك أن تتخصص بمجال مرض ابنك وأنني على استعداد بتهيئة كل المتطلبات التي تساعدك على الالتحاق بالمستشفى الجامعي. وفعلاً بدأت العمل بالمستشفى الجامعي في بتيسبرج بأمريكا وعملت في مجال الجهاز الهضمي وزراعة الكبد والأمعاء. أذكر في أحد أيام الحج في إحدى السنوات كنت في منى وخلال تجولي بين الخيام وإذا أفاجأ بأن أرى رجلاً ملثماً ومع شخص آخر غير ملثم وحين نظرت ودققت في عينيه وإذا هو سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية يتفقد أمن الحجيج بنفسه وبين الخيام لم يكن أحد يعرفه. وجلست طوال الوقت وأنا أتذكر ذلك الموقف من رجل الأمن الأول وهو يتفقد بنفسه أمن الحجيج ويرى ويتفقد ما يفعله رجال الأمن البواسل الذي هم بعد الله حماة هذا الوطن الغالي. وقبل (46) يوماً من وفاة سمو الأمير نايف رحمه الله كنت ضمن الفريق الطبي المكلف لحضور وتغطية الاجتماع التشاوري الثالث عشر لأصحاب السمو والمعالي وزراء الداخلية بدول مجلس التعاون الخليجي في 11/6/1433ه، وبعد المؤتمر ومغادرة الوزراء بقي الأمير نايف وجلس يوجه ويوقع بعض المعاملات وكنت أمامه حتى نهض وودعته. رحم الله الأمير نايف وأسكنه فسيح جناته وأن يصبر الأسرة الكريمة والشعب السعودي والوطن العربي والأمة الإسلامية ويجزيه على مافعله لهذه الأمة خير الجزاء، إنا لله وإنا إليه راجعون. *استشاري أمراض باطنية جهاز هضمي وكبد - مدينة الملك سعود الطبية بالرياض