على نحو مفاجئ .. ترجل الفارس .. طوى الغيب أشرعة ربان سفينة الأمن والأمان ... اختاره الرفيق الأعلى إلى جواره في فاجعة اهتز لها المجتمع السعودي، فودع نايف بن عبد العزيز بالدموع والدعوات. عين تبكي نايف وأخرى ترقب عبدالله المؤمن بقضاء الله وقدره، الحزين على أخيه، الصابر على فراق رفيق دربه. ووطن بل أمة، تودع أربعة عقود من أمضاها في خدمة دينه ومليكه ووطنه وأمته، لكنها لا تواري الثرى ما قدمت يداه لهذا الوطن من أمن وأمان كانا لازمين للاستقرار والتنمية، فقد رحل المحنك الذي ارتبط الأمن باسمه، وارتبط هو بحب الوطن والإخلاص والتفاني لقيادته، لكن أثر نايف باق لأجيال سعودية تعيشه وأخرى ستعيشه إن شاء الله. لم تلبس الرياض أو جدة السواد، ولم تتوشح بمظاهر الأمن غير المعتاد في فراق ركن أساس من أركان الدولة ولي عهدها ووزير داخليتها، فقد ودعته باحتساب المؤمنين، وبثقة كبيرة في الله أن هذا الوطن في أيد أمينة... يغيّب الموت قائداً، فيتسلم المسؤولية قائد، ذلك هو تاريخ أسرتنا الحاكمة ووطننا المجيد، وسيبقى ذلك عنوان المجد والاستقرار بسمة على شفاه الأحبة غصة في حلوق المتربصين بأمننا واستقرارنا. رحل رجل حكيم، كان الأمن بالنسبة له وسيلة للاستقرار، فتحقق له ما أراد، وللوطن ما تمنى .. وزير داخلية قدم الإصلاح على العقاب، فألف قلوب المواطنين على حب الوطن فكنّا رجال أمن لبلد أمين. رجل مارس الحزم بمروءة، والضبط برجولة، فلم يهن كرامة إنسان، ولم يهتك عرض آبق، فقدم للعالم تجربة في الحزم المرن في تصديه للإرهاب. اقتلع آفة الإرهاب وفتنة الإرهابيين من جذورها بالحزم تارة، والنصح تارة، والإصلاح تارة أخرى، وألّف قلوب المواطنين المكلومين من أسر أرباب الفكر الضال، فكانوا إلى جانب دولتهم في أشد اللحظات قسوة عندما كان أبناءٌ ضلوا عن الطريق يقتلون ويسفكون الدم الذي حرم الله إلا بالحق. لقد كان آخر عهدي به رحمه الله عندما زرته ضمن وفد وزارة التعليم العالي، فسأل، وأوغل في التفاصيل عن الابتعاث والمبتعثين وشباب وشابات الجامعات، ووجه توصياته في تواضع جم، معترضاً على أن نعتبر كلامه توجيهات فقد اعتبرها رؤية زميل في المسؤولية. هكذا يتواضع بقامته السامقة، وهو من كرر مراراً على نهج قائده الملك عبدالله بن عبدالعزيز بأنه وأي مسؤول في خدمة الوطن والمواطن. يومها تطرق إلى موضوع الاستقدام، وهو ما أوصى به معالي وزير العمل في جنيف في آخر لقاء به قبل موته بساعات، وكان مهتماً بتسهيل أمور المواطنين وبضبط تدفق العمالة الوافدة من أجل الشاب السعوي الباحث عن عمل. لقد كان يسأل بحرص ويناقش بعمق، ويشدد على قضايا الشباب، ويوجه الجامعات ومراكز البحث بدراسة قضايا المجتمع وإيجاد الحلول لها. كان مؤمناً بأن هذا الوطن مستهدف، وكل ذي نعمة مستهدف من أعداء النجاح والنعم، وكان على يقين أن الأمن الفكري يحصّن الأمة، فاهتم به. لم يكن نايف بن عبدالعزيز وزير داخلية فقط، بل كان قبل ولاية العهد وبعدها يمسك بملفات الإدارة المحلية، يوازن بين المصالح والمفاسد، ويجعل في كل قراراته مصلحة الوطن والمواطن أولاً. رحل قائد، وسوف يمتطي صهوة المسؤولية بإذن الله قائد، وبلادنا تغذ الخطى نحو المستقبل في ظل استقرار سياسي ونماء اقتصادي، وقيادة محبة وشعب وفيّ. نبكيك نعم، نترحم عليك نعم، لكننا لا نخشى عليك من قرب رب العالمين، الذي نسأله أن يغفر لك وأن يجزيك خير الجزاء نظير ما قدمت لوطنك ومواطنيك ولكل حاج ومعتمر، وعن كل خير امتدت به يدك أو قرارك لكل محتاج في مشارق الأرض ومغاربها في عالمنا الإسلامي الموجوع بمعاناته.