(ركن من أركان الدولة ورجل المهمات الصعبة والأدوار المتعددة).. بهذه الكلمات استفتحت وكالة الأنباء السعودية (واس) تقريرها عن رحيل صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله وأكرم مثواه، وهي على وجازتها وصفٌ دقيق وتعبير صادق وتجسيد حقيقي لتلك الشخصية التي قلّ أن يجود الدهر بمثلها. ويكل القلم ويجف الحبر إذا ما أردنا تتبع مسيرته غفر الله له، فما وليه من مسؤوليات تعجز عنها فئامٌ من الناس، إلا أن سموه أدهش الجميع بنجاحاته الباهرة فيها كلها، وما هذا إلا منحة ربانية وتوفيق إلهي، ولعلنا نستشف من ذلك دليل صدقه وحسن مقصده. وفرحة الناس كبيرهم وصغيرهم حين أمر خادم الحرمين الشريفين بتعيينه نائبًا ثانيًا ثم بتعيينه وليّا للعهد غير خافية، وهي أبلغ شاهد على امتزاج محبته بنفوسهم، ثقةً بحسن اختيار ولي الأمر واستبشارًا بالرجل المختار. ومآثر الفقيد وأعماله على المستوى الرسمي والشعبي والخيري كثيرة سارت بها الركبان، ولكن سأكتفي هنا بالإشارة إلى قيمة كبرى تمثَّلها سموه خلال حياته الحافلة بالعطاءات والإنجازات - وهو درس ينبغي لنا جميعًا الاستفادة منه - تتجلى في اعتزازه رحمه الله دائمًا وتميزه بالثبات على المبدأ في أصعب المواقف وأحلك الظروف، يصاحب ذلك (عملٌ) دائم في أداء واجبات ما يوكل إليه من مهمات. وها هو الشيخ أبو عبدالرحمن الظاهري يحكي عنه بعد معايشته عشرين عاماً: ".. وما رأيته في إجازاته الأسبوعية وغيرها متمتعًا بها تمتع من يريد الراحة بعد جهد، بل يلاحقه الهاتف في الساعات الطويلة وحقائب المعاملات فهو في عملٍ دؤوب.." [نشرة خاصة لمجلة الدرعية: 1430، ص6] ويصف مشهدًا حضره في ليلة من الليالي، إذ إن لسموه رحمه الله: "الفقه الدقيق في شؤون الدولة والشعب، والأناة والقراءة الدقيقة لما يُعرض عليه في الحقائب من المعاملات؛ فكان يصيبنا الملل إذا كنا في معية سموه، ونقول: متى يفرغ من قراءة هذه المعاملة، وبعدها معاملات كثيرة، ونخرج أكثر من مرة.. وهو باقٍ على انحناءته" [نشرة خاصة لمجلة الدرعية: 1430، ص7]. وإذا ما توجهنا صوب شخصيته العظيمة، فلعل الدكتور عبدالله العسكر (عضو مجلس الشورى) يلخص لنا ما نريد الإشارة إليه، إذ يقول: "ثلاث صفات أجدها جماع شخصيته، وإن شئت قلت مفتاح شخصيته، إنها صفات الحكمة والحلم والحزم" [الرياض: العدد 14898]، ولا يشك المتأمل في مسيرة سموه أن الباري عز وجل قد آتاه الله خيرًا كثيرًا من تلك المزايا، مما تبدى في فكره الأمني وأدائه الإداري ونظره السياسي، وشواهد التوفيق في توجيهاته والسداد في تصريحاته ماثلة للعيان خلال ما يزيد على أربعة عقود، وذلك لا يتأتى إلا للقلائل من البشر، فضلاً عمن تولوا مناصب ذات مساسٍ بأحداث جسامٍ ولها أثرٍ بالغ في مسيرة الدولة وحياة عامة الناس. أسأل الله أن يرحم سمو الأمير نايف وأن يجزل له المثوبة، وأن يعظم أجر خادم الحرمين الشريفين في فقد أخيه وولي عهده، وأن يحسن عزاءنا جميعاً، وأن يديم على بلادنا نعمة الأمن والاستقرار والازدهار. *رئيس هيئة الخبراء بمجلس الوزراء