في هذا الزمن تكثر الضغوط النفسية التي تهاجم الفرد وتلقي بثقلها على كاهله وتؤدي به الى الانهيار النفسي والى الشلل الاجتماعي والقصور في الإنتاج الفكري والإبداعي سواء كان في مجال العمل او داخل نطاق الأسرة فتكثر المشاكل وقد تنهار العلاقات الشخصية وتهتز مقدار الثقة لدى الفرد ويسوء به الظن لدى كل شخص تجمعه به علاقة عمل. وتغلب المصالح على المنافع ويعيش الفرد في دائرة مغلقة مليئة بالتوترات والشحنات الانفعالية ولا يجد امامه سوى الرضوخ للواقع والاستسلام. فنحن لا ننكر بأننا نعيش في زمن مادي زمن تكثر فيه المصائب والمحن وصعوبة المعيشة وتغلب عليه ضغوطات العمل ومتطلبات الأسرة وحاجات الأبناء. وكل هذه كفيلة بخلق جو نفسي متوتر وهز مقياس الأمن والراحة النفسية لدى الفرد ولكن هل يصح ان نقف مكتوفي الأيدي؟؟ ونلقي باللوم كله على هذا الزمن الذي لا يرحم وندع انفسنا تبحر في المشكلات وترضخ لأمواجه دون محاولة بذل اي جهد لوقف هذا التيار وإعادة النظر في الأمور. يجب ان نقي أنفسنا ونضع عليها حصانة شديدة تقيها من الانغماس في معمعة المشاكل والتي ستؤدي بنا في النهاية الى الأمراض النفسية.. ان الوقاية هي الحجر الأساسي في بناء الصحة العامة والتي بدورها ترسم الطريق السوي والمنير للفرد وتجنبه الصراعات وسوء التوافق الشخصي. فنجد الكثير من الأشخاص يعانون من امراض عضوية جسمية وهي بلا شك ناجمة عن مشاكل وصراعات نفسية مثل آلام شديدة في الرأس - صداع - آلام الظهر الحادة - اضطراب الجهاز العصبي - اضطراب الدورة الدموية وان الله سخر لنا آليات تعمل في اجسامنا بشكل لا ارادي من اجل توفير غذاء صحي للمخ البشري. فالرئتان تغذيان الدم بالأكسجين والقلب يضخ محتوياته والكبد يحجز المواد السامة والأمعاء تمتص وتخرج والكليتان تطهران الدم عن البول. كذلك النفس وهي اعلى وظائف المخ وتتكون من المشاعر والتفكير والسلوك والمعرفة والوجدان وبالتالي فان لب وجودنا يتمثل في ان نتوافق وان نكون خلاقين وان نتقدم بكفاءة وان اي اضطراب للنفس سيؤدي الى تعاسة الفرد وهذا سيؤثر على عمله وعلى توافقه الشخصي وجودة الحياة إذاً ماهو الأسلوب الأمثل الذي يجعل الإنسان متوافقا شخصيا واجتماعيا وينعكس ذلك على ادائه وعلى علاقاته الاجتماعية وعلى التفاعل البناء مع الآخرين؟؟ الشخص السوي المتوافق يصدر عنه سلوك أداتي فعال، سلوك موجه نحو حل المشاكل والضغوط عن طريق المواجهة المباشرة لمصدر هذه المشاكل او الضغوط فهو يحاول الإقلال من الضغوط التي تزيد وتتحول الى عوائق انفعالية وهو يتخذ اساليب ايجابية ليقوي بها من وسائل التغلب على التوترات والمخاوف وهو يحاول ان يصل الى الأهداف على الرغم من التوترات حين تكون للأهداف قيمتها وأهميتها ويستخدم طاقاته من غير تبديد لجهوده وهو من الواقعية بدرجة تمكنه من ان يتبين المحاولات غير الفعالة والعقبات التي لا يمكن تخطيها والأهداف التي لا يمكن بلوغها وهو في هذه الأحوال يتقبل الإحباط وضياع الأهداف ويعيد توجيه طاقاته ويبدو الأمر وكأن موارد الطاقة أكثر وأكبر بسبب انه لا يتبدد منها الا القليل في مسارب القلق والهم الذي لا يتوقف والفراغ الانفعالي. والشخص السوي نجد لديه الأفكار والمشاعر والتصرفات التي تكون ملائمة فادراكاته تعكس الواقع. وأحكامه هي استنتاجات مستخلصة من معلومات مناسبة ويخبر الخوف او الهم او الغضب او الحزن ولكن هذه المشاعر تكون مرتبطة ارتباطا ملائما بالظروف التي يواجهها ثم انها تتناقص او تزول حين تتغير الظروف. وهو يسيطر على التعبير الخارجي عنها ويمنع نفسه من ان تستبد به هذه المشاعر ان كانت السيطرة مطلوبة من اجل الأداء الفعال وقادر على التكيف والتعديل وهو حين يواجه الصراع والإحباط يلتمس الوسائل لحل المشكلات بدلا من أن يجمد على وسائله القديمة. والتكيف هو ان ينحني المرء كما ينحني ساق النبات في مهب العاصمة وان تطفو فوق الموجة العاتية التي تهددك وان تلتمس النفق تمر به من خلال الجبل بدلاً من اعتلاء قمته وان اكثر حياة الإنسان تقوم على التفاعل الاجتماعي بينه وبين الآخرين ويشارك في ذلك الى اكبر حد ويتصل بالآخرين في غير اتكالية مفرطة عليهم او نفور او انسحاب مفرط منهم وهو من التحرر بدرجة كافية بحيث لا يكون عبداً لما يقوله الآخرون او يفعلونه ومع ذلك من الحساسية والمشاركة الوجدانية لدرجة تجعله يستجيب لمطالبهم وحاجاتهم وهو يتقبل الآخرين بوصفهم ذوات مستقلة وأخيرا تراه قادرا على ان يتمتع بصحبة الآخرين. وقد قدم عدد من الباحثين اوصافا للشخص الذي يتمتع بالصحة العقلية والنفسية وقالوا (ان الشخص سليم العقل تكون له القدرة على ان يواجه المشكلات ويتناولها وان يختار ويتخذ القرارات وان يقوم بالمهام من غير ان يتجنبها او يزيحها عن كاهله الى كواهل الآخرين وان يمضي من غير اعتماد لا مبرر له على الآخرين وان يحيا حياة فعالة مُرضية مع الآخرين من غير مضاعفات معقدة وان يسهم بنصيبه في الحياة وان يستمتع بحياته وان يتوجه بالحب نحو الآخرين ويتلقى منهم الحب). ٭ اخصائية نفسية