خطبة الجمعة الماضية في المسجد الحرام لفضيلة الشيخ صالح بن حميد لامست مشكلة يعاني منها المجتمع، ليس فقط في هذه الأيام التي بدأ فيها سهر العطلة الصيفية، وإنما على امتداد أيام السنة، وخصوصاً لدى بعض الناس.. فقد تحدث فضيلته عن الذين «يجعلون نهارهم سباتاً وليلهم معاشاً» وهؤلاء لا مشكلة لنا معهم إلا عندما تتأثر حياتنا بسهرهم! في الحي الذي أعيش فيه تبدأ جحافل المفحطين بعد منتصف الليل تجوب الشوارع.. ويستمرون في عبثهم حتى بزوغ الشمس دون حسيب أو رقيب. هذه المجموعات الهائمة من الشباب تنشر الرعب في نفوس الناس لأن مجرد الخروج إلى الشارع لأمر من الأمور يعتبر مغامرة كبيرة.. فالشوارع ملكهم هم وليست ملك الآخرين، ومن يسلكها من غير المفحطين يتحمل مسؤولية نفسه!! وأنا اقترح على المرور أن يعلق لوحات على تلك الشوارع ويكتب عليها «للمفحطين فقط» لكي يعرف غير المفحطين أنهم يرتكبون مخالفة عندما يسلكون هذه الشوارع يستحقون من أجلها ما يجري لهم! هناك إزعاج لا يطاق يسببه المفحطون في هدأة الليل لمن يريد أن ينام بسلام لكي يستيقظ نشيطاً في الصباح ويذهب إلى عمله.. ومع ذلك فنحن نتحمل هذا الإزعاج إذا كان لا يتجاوز صرير الإطارات الذي يمزق سكون الليل بين الثانية عشرة والفجر.. لكن المشكلة هي الخطر الذي يسببه المفحطون لأي عابر طريق تدفعه ظروفه الماسة إلى المغامرة والخروج من بيته ليلاً لإحضار دواء أو الذهاب إلى المستشفى أو غير ذلك من الأمور التي لا تقبل التأجيل! نحن نقبل أن تكون هذه الشوارع ملكية خاصة للمفحطين بعد الثانية عشرة وحتى الفجر لكننا لا نملك ظروفنا التي قد تدفعنا أحياناً إلى التعدي على حقوق المفحطين.. وهذا بالطبع يؤسفنا جداً، فما أقسى أن نرتكب - نحن غير المفحطين - هذه المخالفات الفادحة بحق المفحطين! ولكن للظروف أحكامها.. والسادة المفحطون لا يقدرون ظروفنا ولو علموا بنوايانا الحسنة وأن هدفنا أساساً ليس التنكيد عليهم أو مصادرة حقهم في التفحيط لربما سامحونا وغفروا لنا جرأتنا التي قد يعتبرها بعضهم وقاحة منا. أتمنى لو يقوم المرور بتقديم مبادرة وساطة بيننا وبين المفحطين لعلنا نجد حلاً لمشكلتهم معنا ومشكلتنا معهم! ولاشك أن الحلول كثيرة لو عملنا وفكرنا واجتهدنا باستنباط الحلول. فعلى سبيل المثال، يمكن أن نتقاسم مع هؤلاء المفحطين ملكية الشوارع العامة.. يعني - مثلاً - ليلة لهم وليلة لنا.. أو حتى ليلتان لهم وليلة واحدة لنا. وقد يتصور بعض الطماعين من غير المفحطين الذين لا يقدرون مشاعر المفحطين أن هذه القسمة غير عادلة متجاهلين موازين القوى بين الطرفين.. وسيكون هذا أكبر تفريط من غير المفحطين مثلما فرط العرب في فرص السلام التي قدمت لهم على مدى سنوات الصراع في فلسطين! وبالمناسبة، ولكي لا أزج الشيخ ابن حميد في موضوع التفحيط، يجب أن أنوه أن فضيلته لم يكن يتحدث عن هذا الموضوع تحديداً.. لكن الشيء بالشيء يذكر!