إن النظام السوري آيل للسقوط عاجلا أم آجلا وبالتالي هو يهدف إلى توسيع دائرة الصراع وتوريط الدول المجاورة في اشتباكات وجرها لمواجهات عسكرية بدعم إيران وحزب الله وتأييد حكومة المالكي وروسيا بعد التطورات الأخيرة، بات الوضع في سوريا معقداً ومأزوماً، ما جعل الأزمة مفتوحة على كل الاتجاهات والاحتمالات والخيارات، ولم يعد الأمر على انه مواجهة بين النظام والشعب، بل تجاوزه ليأخذ بُعداً إقليمياً ودولياً. تأزم المشهد بتلك الضبابية يعود في تقديري إلى ارتباطه عضوياً بدول وأطراف عدة لها مخاوف وحسابات ومصالح، بدليل ما نلمسه في ذلك التردد الفاضح لدى المجتمع الدولي في اتخاذ موقف حازم تجاه النظام السوري رغم سعي الأخير لتكريس حرب طائفية والاستمرار في ارتكاب جرائم ومجازر بشعة لا يمكن السكوت عليها. على أن المقام هنا ليس النقد أو الذم ، بقدر ما هي قراءة موضوعية لواقع الأحداث ومعطياتها . فالعديد من المتابعين والباحثين والمحللين يجمعون على أن نظام الأسد في طريقه للانهيار، وأن المسألة أصبحت الآن مسألة وقت ليس إلا، رغم ما يحز في النفس من ضخامة التكلفة الباهظة التي سيدفعها الشعب السوري لحين تحقيق مراده. ورغم ما يطرح الآن حول الحل السياسي للأزمة السورية والتمسك باتفاق كوفي عنان، إلا أن الواقع يشير بان الحل السياسي قد فات عليه الأوان ولم يعد ممكناً مع نظام لم يلتزم ببنود الاتفاق. ولازال يمعن في إجرامه بمشاركة من حزب الله وفيلق القدسالإيراني ناهيك عن الأسلحة الروسية التي تصل تباعا لدمشق. ولسنا بحاجة للانتظار شهرين لكي نتأكد من تقرير عنان الذي سيسلمه حينذاك! إقليمياً هاهي إيران وحزب الله بالإضافة إلى سوريا أو محور الممانعة كما يحلو لهم تسميته، فيبدو أن مفاعيله عادت من جديد ، بدليل تدخلاته الأخيرة من أجل تصفية حسابات وبعثرة الأوراق وشراء للوقت ،ما يعني تقاطع مصالح ما بين طهرانودمشق وحزب الله. كنا نعتقد أن سياسة المحاور قد انتهت حقبتها، لكن المتابع يوقن أن تأزم بعض ملفات المنطقة ليست صدفة ، وإنما قد خطط لها بدهاء لأهداف محددة وبتوقيت معين لإيصال رسائل مقصودة، بدليل اشتباكات طرابلس لبنان أو التصعيد الطائفي من وقت لآخر في البحرين فضلا عن استعداء الخليجيين واستفزازهم بزيارة الجزر الإماراتية وغيرها من التصرفات التي لم تأت ارتجالاً وإنما درست بعناية بهدف جر دول المنطقة إلى الصدام لاسيما أن طهران تشعر بأنها في خطر دائم وان الأمور قد تدفعها باتجاه مواجهة مع الولاياتالمتحدة أو حتى ربما قد تتطور لمواجهة روسية أميركية. وهذه قراءات قد تبدو غير متصورة في وقتنا الراهن، ولكنها ليست مستبعدة على أي حال . ولعل المناخ يشي بعودة أجواء الحرب الباردة ، فالأسطول الروسي في طرطوس والقوات الأميركية متواجدة في المنطقة، والمقلق أن يتحول التراشق السياسي المتصاعد إلى مواجهة عسكرية في أي لحظة، بدليل أن نشر الدروع الصاورخية على الأراضي التركية دفع روسيا إلى التهديد بالانسحاب من معاهدة الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل ونشر صواريخ نووية بالمقابل. وهكذا تصريحات بلا شك مقلقة لاسيما في ظل السجال الساخن الذي نشهده في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، ما بين روسيا والصين من ناحية والدول الغربية من ناحية أخرى. والحقيقة أن روسيا قد ارتكبت خطا فادحاً بوقوفها مع نظام دموي. وان الخشية من تمدد النفوذ الأميركي والحفاظ على مصالحها الحيوية لا يبرران لها غض البصر عما ارتكب من مجازر في سوريا. إن انطلاقة الثورة السورية أدت إلى حالة من الفرز والاصطفاف على الساحتين الإقليمية والدولية، وسوريا لا تمانع في افتعال أزمة في المنطقة وجعل الصراع طائفياً وتوسيع دائرة التصعيد والاشتباك، والاعتماد على حلفائها وأصدقائها وهو ما بدا واضحاً للعيان، فتجد مثلا إيران ترتبط بعلاقة عضوية مع دمشق ولها مصالح حيوية مع روسيا ولها هيمنة وقرار مؤثر في لبنان بدعم من حزب الله وفي العراق لها حضور في مفاصل الدولة بتأييد من الزعامات الشيعية. ناهيك عن أن ثمة تزامناً يحدث بين ما يقوم به حزب الله من ممارسات وافتعال أزمات وبين ما تواجهه سوريا من ضغوط دولية بشأن ممارساتها الإجرامية تجاه شعبها. كما أن الحزب مهما قيل عن دوره في المقاومة في مرحلة من المراحل إلا انه لا يمكن نفي انه ما زال يدور في الفلك الإيراني. أما الإسرائيليون فمن جانبهم اعتادوا على هذا النظام منذ عقود، ويعرفون حدود العلاقة وآفاقها، وبات هذا النظام مصدر اطمئنان لإسرائيل في الجولان. على أن البعض يأمل في أن يحدث انقلاب في الداخل، والبعض الآخر يحمل المعارضة المسؤولية في عدم حسم القضية بسبب الانقسام. ولعل دعوة مجلس الجامعة العربية للمعارضة بالاجتماع في القاهرة خطوة هامة لمعالجة مسارها. غير ان المحصلة كما يظهر لا تبدو أنها ستخرج عن دائرة الحوار بين موسكووواشنطن لاسيما وأن النموذج اليمني ُطرح من واشنطن كحل للأزمة ، أو ربما التحرك خارج إطار الأممالمتحدة كما أشارت إلى ذلك سوزان رايس لاسيما وان تجارب عسكرية سابقة في العراق وكوسوفو قادتها الولاياتالمتحدة بدون تفويض من مجلس الأمن. صفوة القول إن النظام السوري آيل للسقوط عاجلا أم آجلا وبالتالي هو يهدف إلى توسيع دائرة الصراع وتوريط الدول المجاورة في اشتباكات وجرها لمواجهات عسكرية بدعم إيران وحزب الله وتأييد حكومة المالكي وروسيا. وهنا ثمة مسؤولية لا بد على العرب من أن يتحملوا أعباءها، وهي بناء سياسة عربية فاعلة إزاء كافة القضايا المطروحة، فضلاً عن دور المجتمع الدولي في أن يضطلع بمسؤولياته، متمسكاً بالمبادئ الإنسانية والأخلاقية، ليقطعا الطريق على محور الشر وإحباط مخططاته.