عندما بدأ شبابنا في استخدام الإنترنت مع دخولها الأول كانت اهتماماتهم تنحصر بين مواقع الدردشة والمنتديات، فلم يكن هناك هدف واضح من استخدامها، إلا أنه من بين مستخدمي منتديات الإنترنت انشقت مجموعة من الشباب لم تعجبها رتابة تصفح الإنترنت، ولم يرق لهم أن يكونوا مستخدمين فقط، بل كان همهم أن يبادروا في دعم المحتوى، وإنشاء مواقع إنترنت تزيد من كفاءة المحتوى العربي، والآن أصبح لهم النصيب الأوفر من كعكة الاستثمارات التقنية في المملكة. أسس هؤلاء الشباب مشاريعهم التقنية، وهم يرمقونها بعين تحاول أن تصنع النجاح وتخشى الفشل، وعين أخرى تترقب فرص الاستثمار في سوق لا يستطيع خوض غماره أصحاب الأموال، ولا يفهمون كيف يقتنصون الفرصة المتاحة فيه، سوق يفهمه هؤلاء الشباب الذين ضحوا باستقرارهم الوظيفي من أجل أن يقتنصوا فرصتهم فيه. شاهدنا من ضمن قصص النجاح التقنية كيف أصبح موقع untiny من أبرز مواقع الخدمة الواحدة والتي حققت رواجاً على مستوى العالم، وقبلها كانت شبكة أبو نواف على الصعيد المحلي والخليجي تحصد النجاح تلو الآخر، والآن مواقع مثل عقار ماب وتويت ميل وقيم وسعودي قيمز وموقع true-gaming وسيمانور، وغيرها من المواقع التي لا يتسع المجال لذكرها. في أوروبا 80% من فرص العمل توفرها الشركات الصغيرة والمتوسطة وعن حجم الاستثمار في مجال مواقع الإنترنت والشركات التقنية الصغيرة يقول المهندس جهاد العمار مؤسس موقع قيم "يعتمد حجم الاستثمار على نشاط الشركة ومدى نضوج منتجاتها وقت الاستثمار، لكن في الغالب (النموذج السائد في شركات التقنية الناشئة بشكل عام) يكون هناك استثمار مبدئي صغير يغطي رواتب الفريق الأساسي للشركة وتكاليف تطوير النسخ الأولى من المنتج (بشكل عام بين مائتي ألف ريال ومليوني ريال، بحسب حجم الفريق ونوعية المنتج وطول الفترة)، ثم بعد إثبات الذات للمنتج وفريق العمل واختبار الدخل الذي يدره المشروع، يتم ترتيب جولة استثمارية أخرى أكبر من الأولى تساعد الشركة على الوقوف على قدميها وتوسيع مصادر دخلها والفئة التي تخدمها، هذا أحد السيناريوهات المنتشرة في شركات التقنية في وادي السيليكون بشكل عام، ولكن كل شركة لها خصوصيتها بلا شك". ومع محدودية الاستثمارات في هذا المجال حالياً بالرغم من التوجه لزيادة حجم الاستثمارات في الشركات التقنية الصغيرة يرى المهندس العمار أن هناك الكثير من الأمل في البرامج والصناديق الاستثمارية مثل مبادرات حاضنة بادر، وبرنامج واعد الذي تشرف عليه أرامكو، ووادي الرياض للتقنية، لزيادة حجم الاستثمارات ودعم الشباب في تكوين شركاتهم الناشئة. جهاد العمار ولابد من دعم هذه الصناعة الوليدة في المملكة، حيث إن هناك مشاكل عديدة تواجه المواقع الإلكترونية وشركات التقنية الصغيرة للنجاح والتوسع في العمل، وعن أبرز المشاكل التي تواجه هذا النوع من العمل يوضح العمار أن أحد أبرز المشكلات التي تواجهها هي عدم اكتمال البيئة الداعمة لنشوء هذه الصناعة، فمثلاً هناك ضعف في تواجد رأس المال المخاطر الذي يفهم هذه الصناعة ويدعمها، كما أن بيئة العمل القانونية تضع بعض العوائق بعدم إيجاد الخيارات التي توجد في أماكن أخرى في ما يخص خيارات تسجيل الشركات، ومنح الأسهم للموظفين في الشركات محدودة المسؤولية (stock options)، وتعدد أنواع وصلاحيات أسهم الملكية في الشركات (preferred stocks). ويأمل العمار في أن يشمل الدعم الحكومي مواقع الإنترنت والشركات التقنية الصغيرة، وذلك من خلال تسهيل الإجراءات النظامية والمساهمة في توفير الاستثمارات وجذب رأس المال المخاطر من الداخل ومن الخارج، كما أن هناك تجارب ممتازة لدول مجاورة بحيث تخصص القطاعات الحكومية نسبة 5٪ أو 10٪ من عقودها للتعامل مع الشركات الوطنية الصغيرة. وعن تقييمه لدور حاضنة بادر وهيئة الاتصالات ووزارة التجارة وهيئة الاستثمار في دعم المواقع الإلكترونية والشركات التقنية الصغيرة يقول العمار "أنا شخصياً أحد محتضني حاضنة بادر ووجدت منهم دعماً جيداً ودوراً ريادياً في تشجيع صناعة التقنية في البلد، ولكن يد واحدة لا تصفق كما يقولون، ولا تزال الحاجة لتكامل البيئة بوظائفها المختلفة"، ويرى العمار أن هناك أيضاً أملا من هيئة الاستثمار بخفض الحد الأدنى للاستثمار للمستثمر الأجنبي الموجه لشركات التقنية الوطنية. ويرى العمار أن غياب الإحصائيات الرسمية لسوق الإنترنت في المملكة يعد سلبية لهذا السوق حيث إن المستثمر يحتاج إلى أكبر قدر ممكن من الإحصاءات عن المناخ الاستثماري وعن السوق لكي يدخل باستثماراته في سوق جديدة، وهذا هو الدور المأمول من هيئة الاتصالات ومن شركات الاتصالات في المملكة. في أوروبا توفر الشركات الصغيرة والمتوسطة ما يقارب من 80% من فرص العمل هناك في السنوات الماضية، وهذا ما ستساهم فيه المواقع الإلكترونية السعودية والشركات التقنية الصغيرة من دعم للاقتصاد المحلي وخلق لفرص العمل إذا ما تلقت دعماً حكومياً أو استثمارات محلية، فإلى جانب قصص نجاحها قدمت مواقع الإنترنت المحلية وشركات التقنية الصغيرة فرصا وظيفية ثانوية للشباب من خلال العمل من المنزل، سواءً في مجال تصميم المواقع أو البرمجة أو حتى التسويق الإلكتروني، وهذا سينعكس بدوره على الاقتصاد المحلي وإعادة تدوير المال محلياً، بدلاً من ذهاب رؤوس الأموال إلى الخارج. ويقول المهندس العمار "الفرص في الحقيقة كثيرة ومتنوعة بتنوع نشاطات المواقع الإلكترونية والشركات التقنية الصغيرة، وهذه الشركات بالدرجة الأولى تحتاج إلى مبرمجين ومهندسي برمجيات ومتخصصي إدارة الأعمال ومصممين (مصممي جرافكس، مصممي ويب، مصممي واجهات الاستخدام) ومحررين للمحتوى ومدخلين للبيانات، ومع ازدياد نمو هذه الشركات تبدأ حاجتها إلى المحاسبين، ومندوبي المبيعات، ومتخصصي التسويق التقليدي والتسويق الإلكتروني". وبتنوع العمل تتنوع فرصه، فالأعمال السابقة وإن كانت تحتاجها غالب المواقع الإلكترونية، إلا أنه بتخصص الشركات الإلكترونية في نوعية عمل معين يظهر المجال جلياً لفرص عمل أخرى، حيث يرى العمار أن شركات التجارة الإلكترونية تحتاج إلى مديري مخازن وإدارة للعمليات اللوجستية.