في المساس المباشر بكينونة الشاعر يكون التواجد من خلال معايشة التقلبات الحياتية والنظرة إليها من خلال الواقع والمتخيل وبقدر ماكان الواقع، فإن المتخيل كان هو الهاجس الذي من خلاله بنيت قصور من الآمال التي لازالت وحتى الراهن مشيدة في الذهن متكاملة الصورة المبتغاة، ولكن الواقع يقف حاجبا صلدا أمام استكمالها في مواجهة شرسة من خلال المنظور والممكن يعكس الخيال ويخيب آماله التي هي آمالي ( = الشاعر) التي تشتعل بالرغم من النكسات التي مُنيت بها بسبب الأحداث المترامية الأطراف مما يرسم الاحتباس في دائرة تحتويني لكيلا تتكون هناك حالة انسحابية تبهت الرؤية بحيث تفتقد بعض الأمور صفاتها فتتحول الآمال بالرغم من ذلك إلى أوهام , ففي حالة التعايش مع الشعر بصفته حالة تفاعل تتماهى مع الرصد كدليل ومؤشر على تصوير واقع الحال بماهو متصور بالشعور وليس بالإملاء تتكون عملية الارتياح التي تكون في صور وشرائح تشكل العطاء الشعري الذي يمكن من رسم خط واضح امام الآخر المتلقي الذي هو المعني بالمقدمة , وحساسية الصورة هي الهم الأول في تشكيلها لكي تكون معبرة عن حال المعطي (حالي) بصورة صادقة واصلة بالمستوى المرضي للطرفين وقد كان الحال فيما أرى مرضيا لكلينا . عندما تقول الروائية الأميركية توني موريسون : " أستطيع أن أتحكم في الماضي ولكن لا استطيع ذلك في المستقبل " فهي تقول ذلك محددة أن كاتب السرد كثيرا مايرجع إلى تصوير احداث كانت متنامية في المخيلة حيث كانت مخزونة حتم تداعيها فعل السرد الذي ينجرف، ولكن بشكل منظم مذكرا بوقائع وأحداث كانت ,وهي ممدة من واقع , أو قراءة , أو مشاهد متخيلة كانت تسود في الماضي بالنسبة للمعايشة التي مثلت الإطار الذي أخذ في التوسع مع مرور الزمن ليكون متخيلا سرديا يجمع قطبي الماضي والحاضر مع تلمس الآتي الذي لايمكن ادراكه, وهو عكس ما يكون للشاعر الذي يسشترف المقبل لكونه تواقا إلى رسم الصورة المغايرة والتي تبني مرتكزاتها الأساسية على المتخيل المتجاوز للواقع بإيحاء من الدفع الذي يحفزه الماضي ليوصله بالحاضر الدافع بالمبدع (= الشاعر) على أن يثبت ذاته بأنه القادر على تصور شيء متخيل فيه آمال وأمانٍ وصور متوازية مع مايندر في المتافيزيقيات السابقات لمن كانوا قد صوروا عوالم ماورائية فتحت آفاقا لكتابة المطولات التي حكت عن المستقبل وكأنه حاضر وربما مايتماثل مع الماضي ولكن بشكل مقلوب , وقد قال الشاعر القديم: ماأرانا نقول إلا معارا + أو معاد من قولنا مكرورا وهذا شاعر سبح في بحور الشعر مبدعا وقارئا ومستمعا فوجد صورا متشابهات مع الصور الأخرى والمعاني كماها , ولكن طريقة العرض تختلف باختلاف الشخص المعالج , ومن هنا كان ماسمي بالخلق , وهو التنوع الحاصل في الأشعار المتوالية عبر العصور حيث لكل شاعر شخصيته وله عطاءاته التى تشير إليه .. وهذا مكمن مايسمى بالإبداع , فالتنوع سمة الفن بأشكاله ومنها الشعر الذي يكون دوما في المقدمة في أي ثقافة كونية , ففي الشعر المتنفس الأوسع , والميدان الأرحب للتعبير بالكلمات المشتعلة بالعواطف المتأتية من مؤثرات المشاعر التي تتفاعل مع الإنسان أنى كان , فالفن الشعري والموسيقي توأمان لايمكن فكاكهما من بعض ,ولا فصل الواحد منهما عن الآخر لتمثيلهما لغة العالم التي يمكن أن تقرأ بأي لغة . " كل إنسان شاعر ولكن متى يعرف أنه شاعر" ؟ يجيب خورخي بورخيس : " الصدفة وحدها يمكن أن تقود الإنسان إلى أن يكتشف أنه شاعر " وهي تكون من جراء حادث ,أو موقف مورتبط بحالة نفسية ما دفعت إلى كلمة أو كلمات للتعبير عن تلك الحالة فكانت هي الومضة الدالة على الطريق المؤدي إلى عالم الإبداع .. أيما إبداع . فنبتة الشعر موجودة ولكن رعايتها ليست من السهولة حتى يتسنى للجميع اكتشافها . ** لقطة. للشاعر /أبوالقاسم الشابي: يا شعر أنت فم الشعور، وصرخة الروح الكئيب يا شعر أنت صدى نحيب القلب ، والصب الغريب ياشعر أنت مدامع علقت بأهداب الحياة ياشعر أنت دم ، تفجر من كلوم الكائنات