الأحداث المتصاعدة في طرابلس والشمال اللبناني والتي امتدت إلى بيروت تنذر بكثير من الشرور وتتجاوز كثيراً ما سبقها من أحداث. إذ يبدو واضحاً، هذه المرة، ان الاشتباكات لا تهدف إلى مجرد تعزيز مكاسب طرف على حساب طرف آخر بقدر ما تهدف إلى اطلاق شرارة فتنة طائفية بالاعتماد على صاعق سوري. ولعل البرقية التي بعث بها خادم الحرمين الشريفين للرئيس اللبناني عبرت بأكبر قدر من الوضوح عن مدى الانزعاج السعودي من المسار التصاعدي للأحداث هناك. إذ عبر الملك عبدالله عن قلقه من "أحداث طرابلس لجهة استهدافها لإحدى الطوائف الرئيسية" في لبنان والخشية من تطور الأحداث إلى فتنة طائفية والتطلع إلى تدخل الرئيس اللبناني في الإطار العام لمبادرته ورعايته للحوار الوطني وحرصه على النأي بالساحة اللبنانية عن الصراعات الخارجية. تصاعد الأحداث التي وصلت إلى ذروتها بتبادل الاتهامات حول سفينة الأسلحة ثم مقتل الشيخين السنيين عبد الواحد ومرعب بسلاح الجيش و"اختطاف" الوزراء اللبنانين القادمين من ايران في حلب كان مسبوقاً بإطلاق المندوب السوري في الأممالمتحدةبشار الجعفري ما بدا وكأنه إشارة البدء بجر لبنان قسراً ليكون ساحة متفجرة تخفف الضغط عن دمشق. ففي رسالته المطولة والمليئة بالأسماء والأرقام إلى أمين عام الأممالمتحدة بدا واضحا ان الجعفري يصوب في اتجاه محدد عندما اتهم بعض المناطق اللبنانية بانه تحوّل إلى" حاضنة لعناصر إرهابية" من تنظيمي "القاعدة" و"الإخوان المسلمين" وان تلك المناطق تستخدم للتدريب على السلاح وتهريبه على نطاق واسع من شمال لبنان إلى المعارضة السورية. لا يمكن للمتابع إلا أن يقرأ في اتهام الجعفري اتهام للشمال اللبناني عموماً ولطرابلس خصوصاً بانها تنغمس انغماسا مباشراً في دعم الثورة السورية وهو ما استدعى رداً سريعاً من ابن طرابلس الرئيس نجيب ميقاتي الذي انتقد تصريحات الجعفري مستخدماً توصيفاً غير معتاد بشأنها عندما قال بانها" تؤجج الخلاف" بين البلدين. وبغض النظر عن التصريحات والاستفزازات المتبادلة فإن اللبنانيين يتعين عليهم ان يتيقنوا بان لبنان في خطر حقيقي. فهناك أطراف تسعى" للنيل من مناطق لبنانية بعينها واستجرار الأحداث والمشاكل إليها خدمة للنظام السوري وأدواته" كما قال الرئيس سعد الحريري في بيانه الداعي إلى التهدئة. لذا فالمطلوب اليوم كي ينجو لبنان مما خطط له هو الجلوس إلى طاولة الحوار الوطني وطرح كل الملفات بما فيها ملف السلاح خارج إطار الدولة على أن يكون رئيس الجمهورية هو المظلة التي ترعى ذلك الحوار وتدفع باتجاه نجاحه والالتزام بقراراته. لم تكن القصة أبداً "رمانة" كما يقول المثل اللبناني بل هي دائما "نفوس مليانة"