قبل سنوات طويلة رأيت في جبال الألب السويسرية بقايا مسجد يعود عمره - حسب تقديري - الى اكثر من ألف عام؛ فأثناء عودتنا من قرية جستاد رأيت بناء رغم انهياره وتداعيه الا انه بدا - رغم انف المرشد السياحي - مسجدا لا تخطئه العين. وكان الأمر بالنسبة لي مفاجأة سعيدة ومحيرة في نفس الوقت؛ فآخر معلوماتنا عن فتوحات العرب في أوروبا تقول انهم توقفوا عند مدينة بواتيه الفرنسية بعد هزيمتهم عام 732م على يد شارل مارتن (في المعركة المعروفة باسم بلاط الشهداء بقيادة عبدالرحمن الغافقي). ولكن اتضح لاحقا ان هذه المعركة كانت البداية (وليست النهاية) لفتوحات وغزوات عربية استمرت خلف جبال البرينيه طوال المئتي عام التالية.. فخلال هذه الفترة وصل المسلمون الى بحيرة جنيف وتحكموا بممرات الألب بين فرنسا وايطاليا وسيطروا على مقاطعة بروفيسا الفرنسية وكانت لهم حصون وقرى عرفت باسم فراكسيناتوم (أصبحت اليوم مدينة فراكسينيه قرب مرسيليا). وبقي الموضوع برأسي طوال تلك الفترة حتى تجمعت لدي سلسلة الأحداث التالية: - بعد مقتل عبدالرحمن الغافقي على حدود مدينة بواتيه الفرنسية اهتم خليفته عبدالملك بن قطن بتحصين ما وقع في أيدي العرب من المدن الفرنسية وكان أهمها مدينة ناربوني NARBONNE (جنوب شرق فرنسا على ساحل المتوسط). - بعد تلك المعركة بفترة وجيزة نشب خلاف بين أمراء فرنسا فاستغل العرب الوضع وانطلقوا من ناربوني واستولوا على مدن آرل وفريتا وأفينيون وليون على ضفاف نهر الرون في جنوب شرق فرنسا. - وخلال ذلك عمد العرب الى بناء الحصون على طول نهر الرون (الذى ينبع من جنوبفرنسا ويصب في بحيرة جنيف) ودخلوا مقاطعة الدوفية في سويسرا وعبروا جبال الألب واطلوا على مقاطعة "بيامونت" الايطالية! - عند ذلك الحد تدخل شارل مارتن مجددا وأرسل جيشا بقيادة أخيه شيلدوبراند فاستعاد مدينة أفينيون (شمال مرسيليا) بمساعدة الايطاليين.. وفي نفس الوقت انطلق شارل مارتن للاستيلاء على مدينة ناربوني التي أصبحت قاعدة لغزوات العرب في أوروبا. ولكن قبل وصوله للمدينة لاقاه جيش عربي أرسله والي الاندلس عقبة بن الحجاج لنجدة العرب فدارت معركة شرسة انسحب منها الطرفان فيما سلمت المدينة!! - بعد وفاة شارل مارتن نجح ابنه بيبيان لوبرف في الاستيلاء على ناربوني عام 759؛ ثم حاول هشام بن الداخل استعادتها عام 788 الا ان المدينة أنقذت بمساعدة الأمير غليوم حاكم مدينة تولوز حيث دارت معركة خارج مدينة فيلدان لم يكتب فيها النصر لأي من الطرفين. - وفي عام 821 تولى عبدالرحمن الثاني إمارة الاندلس بعد وفاة واليها الحكم الربضي فأمر بتجهيز حملة بحرية غزت مقاطعة بريتاني (في شمال غرب فرنسا) ثم كلف حاجبه عبدالكريم بغزو برشلونة كما أرسل أسطولا الى مرسيليا فاكتفى بالاستيلاء على مرفأ المدينة. - وفي عام 846 وصل المسلمون الى جنوب ايطاليا بسفن حربية من شمال إفريقيا فتوغلوا حتى حدود روما حيث وجدوا مقاومة شديدة من جيوش أوروبا المتحالفة ضدهم. - وبعد هدنة دامت سنوات تسلم محمد بن عبدالرحمن إمارة الاندلس عام 852 فجهز ما يسمى ب "الصوائف" و"الشواتي" ضد الممالك الشمالية فاستولى مجددا على منطقة بروفنسا الفرنسية (حيث مدن كان ونيس ومرسيليا) واتخذ المسلمون من جزيرة كامارغ (المحاطة بمياه نهر الرون) قاعدة لغزو أوروبا! (وللمقال بقية)..