صوّت 57.5 في المئة من الناخبين السويسريين يوم 29 (تشرين الثاني) نوفمبر 2009 لمصلحة مبادرة حظر بناء مآذن جديدة في سويسرا، وانقضت عاصفة الاعتراض على منع بناء المآذن في سويسرا، ولكن الغريب في الأمر، وعلى رغم كل الكم الهائل الذي كُتب حول هذا الموضوع، فإنني لم اقرأ أو أشاهد في وسائل الإعلام المختلفة من صحافة وتلفاز وإنترنت وغيرها ما يشير إلى تاريخ العرب والمسلمين في ذلك البلد. وعزا معظم الكتّاب والصحافيين إلى أن السبب الحقيقي لهذا المنع هو الخوف من المجهول، ويدخل في ذلك الجهل بديانة الآخر. وبسبب الشك واتهام المسلمين بالرغبة في أسلمة المجتمع الغربي تدريجياً. خصوصاً ما يروج له المتطرفون لدى الطرفين «الغرب والشرق» عند الحديث عن الإسلام، خصوصاً منذ أحداث 11 من (أيلول) سبتمبر. وتأخذ هذه التصورات أشكالاً مشوهة عندما يعلن مسلمون متطرفون في عدد من البلدان الإسلامية عن رغبتهم في نشر الدين الإسلامي في أوروبا وتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية فيها بديلاً عن القوانين الوضعية. ومما يدعو للأسف أن بعض المؤرخين في الغرب أدلوا بدلوهم، فنبشوا ماضي العرب والمسلمين في أوروبا، خصوصاً في إسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وسويسرا، ولكنهم أكدوا أن الجاليات الإسلامية هناك حديثة العهد، وأن المساجد المقامة حالياً في سويسرا حديثة البناء، وليس لها تاريخ يُذكر، والحقيقة التاريخية التي لا مناص منها أن في سويسرا مساجد أثرية يعود تاريخها لأكثر من 1000 عام. وأن من بناها هم العرب المسلمون الذين وصلت فتوحاتهم إلى تلك الأرض، آنذاك. معظم المؤرخين يعتقدون أنه بعد انسحاب الجيش العربي من معركة تولوز في فرنسا بتاريخ 9 (حزيران) يونيو 721م، وهزيمتهم في مدينة أوتون شرق فرنسا، وبعد معركة بلاط الشهداء «معركة بواتييه» التي وقعت بتاريخ 10 (تشرين الاول) أكتوبر سنة 732م بين قوات المسلمين بقيادة عبدالرحمن الغافقي وقوات الإفرنج بقيادة تشارلز مارتل، يعتقدون أن المسلمين هزموا في تلك المعركة، وقتل قائدهم، وبعدها توقف الزحف الإسلامي تجاه أوروبا. إن الاعتقاد بأن الجيش العربي المسلم، آنذاك، توقف زحفه في أوروبا اعتقاد يجانبه الصواب، والحقيقة أن جيش المسلمين كان موزعاً في اتجاهات عدة، وهو إن كان قد أبطأ في التقدم باتجاه الشمال الفرنسي إلا أنه تابع تقدمه باتجاهات أخرى لمدة لا تقل عن قرنين من الزمن، وتمكن الفاتحون من السيطرة على جبال الألب، ومنطقة بروفيسيا الفرنسية. وبنوا حصون عدة، منها حصن عُرف باسم حصن فراكسيناتوم، ويُعرف الآن باسم حصن فرانكسينيه قرب مدينة مرسيليا. ولكي يحفظ التاريخ حقيقة العرب المسلمين الفاتحين لبلاد الأندلس، ولوسط وشمال أوروبا، في تلك الآونة، فقد أرّخ بعض المؤرخين الغربيين، لا العرب، أنه بعد مقتل القائد عبدالرحمن الغافقي في معركة بواتييه، تسلم بعده القيادة عبدالملك بن قطن، الذي حافظ على معظم المدن التي سقطت بيد المسلمين، وقام بتحصينها، منها مدينة ناربوني Narboone، التي تقع جنوب شرق فرنسا على ساحل البحر الأبيض المتوسط. واستولى العرب حينها على مدن فرنسية عدة، منها: مدينة آيرل، وآفينيون، وليون، وبعض المدن الصغيرة التي تقع على ضفاف نهر الرون جنوب شرق فرنسا. وكان العرب المقيمون في مدينة نيس يطلقون عليها اسم نيقيه. وفي عام 821م تولى عبدالرحمن الثاني إمارة الأندلس واستطاع الاستيلاء على مدينة مرسيليا الفرنسية. أما في إيطاليا فقد وصل العرب المسلمون إلى ثلاث مناطق: المنطقة الأولى، جزيرة صقلية، وذلك في سنة 827م، عندما احتلها الملك إبراهيم بن الأغلب التميمي، الذي قاد عملية الاحتلال. وكان قائد جيش، آنذاك، أسد بن الفرات. المنطقة الثانية، هي جزيرة سردينيا، واحتلت في سنة 809م، على يد الأغالبة، واستولى عليها بعدهم الفاطميون سنة 909م، أي بعد أن حكمها بنو تميم مدة قرن. وبقيت سردينيا في أيدي الفاطميين قرناً آخر حتى استولى عليها ملوك الطوائف المسلمين بالأندلس في سنة 1015م. ودام الحكم الإسلامي التميمي والفاطمي لجزيرة سردينيا أكثر من قرنين، وانتشر الإسلام خلالها في الجزيرة. المنطقة الثالثة، هي شبه جزيرة إيطاليا، التي وصلها العرب المسلمون، إذ توجه ملوك الأغالبة إلى تلك المنطقة بعد احتلالهم جزيرة صقلية، فهاجم المسلمون مدينة برنديزى سنة 836م، ثم استولوا على نابولى في السنة التالية لها، واستولوا على كابوه في سنة 841م، واحتلوا تارانتوا، ودخلت جيوش محمد الأول الأغلبي التميمي مدينة روما سنة 864م، وأجبر البابا على دفع الجزية. وبالعودة إلى ما حصل بعد معركة بلاط الشهداء، نجد أن الجيش العربي الإسلامي واصل تقدمه مستولياً على كل الأراضي الملاصقة لضفة نهر الرون باتجاه سويسرا. واستولوا على مقاطعة الدوفييه السويسرية، وعبروا جبال الإلب، وأطلوا على مقاطعة بيامونت الإيطالية، إلى أن وصلوا إلى بحيرة جنيف في سويسرا. وقد اكتشف أخيرا بعض الآثار الإسلامية في جنيف، ولكن تم التكتم عليها خشية أن يطالب بعض المسلمين بمعاملة المآذن معاملة الآثار الإسلامية القديمة، التي تمنع القوانين هدمها. كتب الأمير شكيب أرسلان كتاباً بعنوان «تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط»، اعتمد فيه على تأريخ الكتّاب الغربيين لبلادهم. كما فصّل فيه الكثير من الحوادث، فقد ذكر أمير البيان أن العرب بقوا في فرنسا وسويسرا حتى عام 926م، إذ قامت بينهم وبين حاكم إيفريا معاهدة كي يوقفوا غزواتهم على مدينة كور ومنها إلى بحيرة كونستانس. وذكر أن سجلات الأديرة في مدينة كور دونت تفاصيل كثيرة عن غارات العرب على الأراضي المطلة على بحيرة جنيف، واستيلائهم على بعض الأديرة وتحويلها إلى مساجد. وفي هذه السجلات مطالبة مطران مدينة كور من الأمير هرمان حاكم سويسرا الألمانية الحماية من هجمات العرب. زار شكيب أرسلان إمارة ليخنشتاين، الواقعة بين النمسا وألمانيا وسويسرا. كما زار منطقة سان موريتز بحثاً عن آثار العرب والمسلمين هناك. ووجد الكثير من الآثار التي تدل على وصول العرب المسلمين إلى تلك البقاع من الأرض؛ بل وبقائهم واستيطانهم فيها. ومن هذه الآثار ما وجده في مدينة مارتيني، التي توضح أن الكتابات القديمة على بعض أسوار البيوت الأثرية تشير إلى طائفة الإسماعيلية، نسبة إلى سيدنا إسماعيل عليه السلام جد العرب. باحث في الشؤون الإسلامية.